4
في تلك الليلة، بقي مروان يفكر فيما أخبرته ماري حنان الذماري، عن هذا العالم الذي هو فيه. تذكر ما قالت له عن معنى مصطلح «ب.ج.» بعد الإنسان الجديد، وعن نهاية عصر العالم الذكوري الذي استقوى فيه على الأنثى، وانتزع حقها في انتساب المولود باسمها، والمصنع البيولوجي البشري. في مقابل ذلك لا يقدم الرجل للطبيعة غير شهوته التي يريد أن يتخلص منها.
في الصباح أخذته الممرضة إلى «قسم تلقيح الأديان الرباعي»، وهو يفكر: «ما هو تلقيح الأديان؟ كيف جعلوا الدين لقاحا؟!» أخبر البروفيسور وهو يكبت غضبه، بأنه لا دين بعد دين الإسلام، ثم إن الدين لا يعطى لقاحا، هذا هراء! وبأن قلبه عامر بالإيمان ويعرف الدين جيدا. ظل حياته يدعو له ويجاهد من أجله، وعلى استعداد أن يموت في سبيله، وسبيل ربه .. وأنه لم يعرف غير لقاح: الحصبة، الجدري، السعال الديكي، السل، فيروس الكبد .. وقد أخذ تلك اللقاحات جميعا. لم تتفاجأ البروفيسور من تصرفه، لكنها تفاجأت من تلك اللقاحات البدائية التي ذكرها، وأخبرته شيئا عن تلقيح الأديان، الذي نقل البشرية إلى طور جديد «الإنسان الكامل»، وولادة جديدة للبشرية. أوجدوا مجتمعا غير أناني، شعاره «أنا - أنت»، يولد فيه الطفل فلا يجد من يعلمه الأنانية، ولا النرجسية الخبيثة. وقد توقف إعطاء ذلك اللقاح منذ خمسين عاما، فلم يعد هناك مجتمع أناني يتعلم الطفل منه الأنانية. كما توقفت اللقاحات الأخرى كلقاح السرطان وأمراض القلب، والجنون .. كانت تخبره وهو يتأمل ذلك الجمال الرائع في الممرضات الآليات، يراهن أجمل من زوجته حميدة. يتساءل لو أنهن وجدن في حياته السابقة، كان سيقتني العديد منهن بما أنهن لسن بشرا، لا سيما يمكن للبعض منهن النوم مع الرجال.
تلقى مروان المرحلة الأولى من تلقيح الأديان، ضد «الأنانية». ذهب بعدها في نوم عميق، لم ينم مثله في حياته. استيقظ وقت الظهيرة وهو يشعر ببهجة لا يعرف مصدرها. حضرت البروفيسور مساء للاطمئنان عليه، رحب بها وكان يود أن يحضنها. سألها وقال: ما هذا اللقاح الذي أعطيتموني إياه؟! أشعر أنني رجل آخر.
ابتسمت البروفيسور وجلست أمامه. قالت: هذا اللقاح سيغير نظرتك لذاتك، ويكبح نرجسيتك الخبيثة، لن تشعر بالغرور أو الزهو، كما كنت تشعر به في حياتك السابقة. نحن الآن نكبح فيك الجين الأناني. نحن نخلقك من جديد لتناسب هذا العصر.
بقي ذلك اليوم يحلق في سماء السعادة، التي لم يشعر مثلها في حياته السابقة، يود أن يهب نفسه للعالم، كما كان يهب نفسه في سبيل الله في حياته السابقة.
في صباح اليوم التالي أعيد إلى غرفة التلقيح، وأعطي جرعة أخرى (جرعة الصدق). حضرت البروفسور تسأله عن شعوره بعد اللقاح، وجلست تحدثه عن الصدق الذي أمرت به كل الأديان القديمة التي صارت تراثا روحيا في هذا الزمان، وأن الصدق عمود الأديان كلها.
بقي في حيرة مما تقوله ماري: «كيف جعلوا الدين لقاحا، وما كنا نقدسه صار تراثا روحيا؟!» ثم أخبرها أنه شاهد فيلما عن الديانة الهندوسية لمقاطعة دلهي، أسموه الدين البراهيمي. سألته: وهل شاهدت الثورات الدينية ضدها؟ - ما أعرفه عن الثورات بأنها ضد الطغاة، وليس ضد الأديان! هذا لم أسمع به من قبل.
أخبرته بأنهم سيشاهدون تلك الثورات التي ظهرت ضد الديانة الهندوسية المتعددة الآلهة، التي ظلت باقية حتى إلى ما قبل الإنسان الجديد، واندثرت الديانات المشابهة لها، وظهرت الديانات التوحيدية التي تعبد إلها واحدا فقط. اقترب الحاضرون ليشاهدوا معا، كان من ضمنهم هيوموربوت. أخذ يسألها والحيرة تعصف به: لماذا يحضر الآليون؟! - ليتعلموا مثل البشر.
عصفت الحيرة بمروان أكثر ، حتى إنه شك أن ماري قد تكون هي آلية! بينما هي كانت تشير بريموت نحو حائط الغرفة الزجاجي، فإذا بها تفتح نافذة، وظهر ذلك الدليل الذي شاهده مسبقا. أنصت الجميع إلى الدليل، وهو يقول: أعزائي، ثورات عالم ما قبل الإنسان الجديد لم تقم ضد الطغاة فقط، بل كانت أيضا ضد المعتقدات؛ فكل معتقد مع الزمن يصدأ ويتداعى بالتدريج جيلا بعد جيل، لكن ذلك يأخذ وقتا لتتخلله ثقافات جديدة، وتصبح تلك المعتقدات إرثا روحيا إنسانيا.
Bilinmeyen sayfa