86

İslam Günü

يوم الإسلام

Türler

إن مما يؤسف له أن حفنة من المسلمين نادوا ببعض إصلاحات كنداء عبد الله بن المقفع بتوحيد القوانين ونشرها على الناس؛ ليعرف المتقاضي وجه الحكم له أو عليه، ونداء المعتزلة بتحكيم العقل في الحديث، ونداء الشيخ محمد عبده في السنين الأخيرة بتنقية الدين من الخرافات والأوهام، والاستغاثة بالله وحده، دون الاستغاثة بأضرحة وأولياء، فرمي كل هؤلاء بالزندقة.

ومن المؤسف أيضا أن العالم الإسلامي كله خلط بين بقايا من المدنية الإسلامية القديمة وأشياء من المدنية الحديثة حتى لتجد الرجل في ملابسه بين شرقي وغربي، وأثاث المنازل بين شرقي وغربي، والعلوم التي تدرس في المدارس بين نحو سيبويه مبسطا، وطبيعة وكيمياء المدنية الغربية، ومحاكم شرعية تقضي بأحكام الفقهاء، ومحاكم وطنية تقضي بقوانين فرنسا أو ألمانيا؛ وكذلك كل مرفق من مرافق الحياة، زراعة قديمة بجانب الزراعات الحديثة، وتجارة قديمة بجانب التجارات الحديثة؛ بل تقرأ الجريدة الواحدة نفسها فترى أفكارا قديمة لكاتب وأفكارا حديثة لكاتب آخر؛ وكادت تكون هذه الأمور مقبولة لو أنها وضعت على أسس معقولة، وفرزت فرزا دقيقا، ولكنها كومت كلها حيثما اتفق، فكان مثلها مثل رجل يلبس بدلة على آخر طراز من النمط الغربي، ويلبس في رجله حذاء من نوع ملابس القرون الوسطى، وهذا ضرر في العقلية، وضرر في التكوين الخلقي، وضرر حتى في الدين نفسه. وكانت نتيجة هذا ما نشاهده في العالم الإسلامي كله من انحلال وعدم تماسك، حتى يكون العقل بذلك مهوشا مشوشا، لا يبنى على قواعد منطقية سليمة، ولا على ذوق سليم. ومن آثار هذا أيضا كثرة الجدال حين يجتمع قوم من الناس ذوي عقليات مختلفة، لا كما ترى في جمعيات إنجليزية أو ألمانية؛ لأنهم وحدوا أسس التعليم الابتدائي والثانوي، فتقاربت العقليات، فإذا كان خلاف فخلاف في نوع التعليم العالي، مع توحيد أسس مناهجه.

والاجتهاد في الإسلام مبني على أصول أربعة: القرآن، والحديث، والإجماع، والقياس. فأما القرآن؛ فأريد به أن يكون تنظيما تشريعيا مبنيا على دعائم ثابتة تعتمد على الإيمان بالله واليوم الآخر. وأما السنة فقد شرحناها من قبل، ورغم أن الأستاذ جولد زيهر نقدها نقدا علميا حديثا، وأبان أن كثيرا منها مزيف مأخوذ من شرائع أخرى دست في الإسلام؛ فإنها أصل من أصول التشريع الإسلامي، نعم إن كثيرا من الأحكام الشرعية أسست على تقاليد كانت جاهلية، وأقرها الإسلام؛ لأنها لا تزال وفق بيئته فإذا تغيرت البيئة لم يعد للعمل بهذه الأحاديث محل، وربما كان هذا هو الداعي لفرقة من الفرق الإسلامية أن تنكر الحديث، وحكى خبرها الإمام الشافعى في الأم ولم يستنكر قولهم، وربما كان هو الداعي أيضا إلى تحرج الإمام أبي حنيفة من الأحاديث والعمل بها، واقتصاره على نحو سبعة عشر حديثا، وإنما اعتمد أكثر ما اعتمد على الاستحسان، كما اعتمد الإمام مالك على المصالح المرسلة، وكلاهما يعتمد على العدالة التي يفهمها العقل الفطري، والذي يسميها القرآن «المعروف»، ويسمي ضدها «المنكر».

وأما الإجماع: فهو مبدأ هام من مبائ التشريع الإسلامي، وربما طبق تطبيقا وافيا في النظام الشوري عند الأمم الحديثة؛ إذ تنتخب أظهر الرجال وأبرزهم، وهم من كانوا يسمون في العهد القديم أهل الحل والعقد، فإذا اجتمعوا على الرأي كان ذلك تشريعا. وأما القياس: فقد قال به أبو حنيفة، وأنكره عليه مالك، وقد توسع أبو حنيفة فيه، ولكن مع الأسف طبقه تطبيقا أرسططاليسيا يعتمد على طريقة الاستنتاج لا طريقة الاستقراء، ويهتم بالناحية النظرية أكثر من اهتمامه بالناحية العملية، وتوسع في التشريع للفروض، حتى ما لم ينبن عليها عمل، كما توسع أصحابه في الحيل الشرعية التي ترفع العمل، وتصور كيفية الفرار من الفرائض، ونحو ذلك. على حين أن الإمام مالكا اتبع سنة أهل المدينة في الاعتماد على العمل دون الفروض، وعلى ما يقع من الأحداث دون النظريات. والاجتهاد الحق يتطلب أن ينظر المجتهد في تطبيق كليات الدين على ما يحدث من مسائل جزئية. ونعني بكليات الدين القواعد الكلية التي تطبق عليها جزئيات كثيرة، مثل: «لاضرر ولا ضرار» ومثل:

أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ، ومثل

إن الذين آمنوا والذين هادوا

الآية. فهي تتضمن أن أسس الدين هي الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وقوله - تعالى:

ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ، فهي تكشف عن حالة اليهود والنصارى في عصر النبي، ولا تزال مطردة في أهل الملتين إلى اليوم، وكالاستعانة على النهوض بمهمات الأمور بالصبر والصلاة:

واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ، وكبطلان التقليد للآباء والأجداد والمشايخ والمعلمين والرؤساء، وهي مبثوثة في القرآن، وكإباحة جميع طيبات المطعم، وامتناع التحريم الديني لما لم يحرم الله منها:

يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ،

Bilinmeyen sayfa