وكان أعظم ما نزل بالعربية هو القرآن الكريم، وهذا يجعلنا أكثر حرصا على الحفاظ على لغتنا الجميلة وأكثر تمسكا بها. والحفاظ عليها يستوجب العمل على تطويرها دون إبطاء؛ حتى تواكب متطلبات العصر في الصياغة والمفردات وقواعد النحو والصرف.
وتدل كل المؤشرات على أن الشباب، حتى من خريجي أفضل الجامعات العربية، أصبحوا يكتبون بلغة ركيكة ويقعون في أخطاء لغوية فادحة، حتى خريجو كليات من المفترض أن يستخدموا العربية لممارسة عملهم مثل الحقوق والآداب، قد وصلوا في الآونة الأخيرة إلى مستوى لا يصدق من التدني في الإلمام باللغة وقواعدها.
وقد دأب الكتاب والمثقفون على السخرية من هؤلاء الشباب وصب لعناتهم على هذا الزمان، واكتفوا بذلك؛ فهم يعتبرون أن كل من لا يجيد قواعد العربية ويخطئ في النحو جاهل ولا علاقة له بالعلم. والكل مجمع على أن السبب الوحيد في هذه المحنة هو استهتار هؤلاء الشباب ورفضهم لبذل أي مجهود من أجل تعلم قواعد اللغة العربية ونحوها.
وهم يؤكدون أن الشباب فاشل في كل العلوم التي يتلقاها في المدرسة والجامعة، وليس في اللغة العربية وحدها، وهذا دليل على عدم جديتهم. لكن هذا الرأي يناقضه الواقع الذي يدل على أن القصور في معرفة العربية لا يقع على الشباب وحدهم كما لا يقع على أبناء هذا الجيل وحدهم، ولكنه قديم قدم اللغة نفسها.
والشكوى من الضعف في اللغة كان موجودا في كل حقبة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية كما سنكتشف من خلال فصول هذا الكتاب. وقد لخص شاعر النيل حافظ إبراهيم هذا الهاجس في قصيدة شهيرة نشرها عام 1903م بعنوان «اللغة العربية تنعي حظها بين أهلها» يقول في مطلعها:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي
وهو هنا يتحدث بلسان اللغة العربية فيقول إنها اتهمت نفسها أولا بأنها السبب في ضعفها الظاهر على ألسنة الناس، ثم حاولت أن تنادي الناطقين بالعربية للنجدة فخذلوها فاحتسبت نفسها عند الله.
ولا نقاش حول أن الناطقين بالعربية من الشباب وغير الشباب ممن يخطئون في قواعد اللغة ومفرداتها يتحملون مسئولية كبيرة في ضعف مستواهم اللغوي. لكن هل فكر أحد في طرح السؤال التالي: هل الخطأ في هؤلاء الشباب وفي الناطقين بلغة الضاد عامة في هذا الزمان وحدهم؟ أم أن الذنب يقع كذلك على تحجر اللغة وعدم ملاءمتها لمتطلبات العصر؟ وهل الحل هو فرض اللغة التقليدية كما هي دون تطوير على أساس أنها لغة التراث والأدب والثقافة العربية، وأن أي مساس بقواعدها هو عدوان على الدين والمقدسات؟ أم أنه آن الأوان أن نفكر في كيفية تطويع اللغة لتلائم مقتضيات عصر جديد وفكر جديد لا بد من التعبير عنهما بأسلوب جديد؟
أعلم أن هذه الأسئلة تعتبر خروجا قد لا يقبله البعض عن أساليب التفكير التقليدية، واقترابا من مناطق حساسة يقف على أبوابها الموصدة فريق من العلماء المؤمنين بضرورة الحفاظ على التراث اللغوي كما هو، دون أدنى تحريف. وهؤلاء العلماء يعتبرون أي كلام عن تحديث اللغة بمثابة خوض في المحظور وخروج عن إطار الدين الحنيف. وهم يتفننون أحيانا في تعقيد اللغة وتقعيرها حتى تنغلق أكثر فأكثر عن العامة؛ فيصبحوا هم فئة متميزة ترتفع فوق باقي الناس بحذقها اللغوي.
Bilinmeyen sayfa