وقد يوجد في الأدباء من يكتب أو ينظم وليس له اطلاع واسع على أدب عصره ولا على آداب العصور الأخرى.
وكذلك يوجد في أقوياء الأجسام من يأكل الطعام الغث، ويستفيد منه لجودة هضمه وانتظام وظائف جسده.
ولكننا عندما نضع قواعد الصحة وأصول التغذية لا نقول للناس: كلوا الطعام الغث، واعتمدوا عليه في تقوية الأبدان وتنظيم وظائف الأعضاء.
وعلى هذا القياس نفسه لا نقول للناس عندما نضع قواعد القراءة وأصول التثقيف والتهذيب: إن الاطلاع وترك الاطلاع يستويان.
فالانتفاع بالطعام الغث شذوذ لا يقاس عليه، ومثله في الشذوذ أولئك الذين ينظمون أو يكتبون ما يحسن أن يقرأه القارئ، دون أن يرجعوا إلى أدب العصر أو آداب العصور.
ومما لا مراء فيه أن الرجل الذي ينتفع بالطعام الغث يزداد انتفاعه بالطعام الجزل كلما وصل إليه، وأن الرجل الذي ينظم أو يكتب بغير اطلاع يترقى في منازل الأدب كلما استوفى حظه من المطالعة والدرس والمراجعة.
فالاكتفاء بالقليل من الأدب جائز كالاكتفاء بالقليل من كل شيء، ولكنه القليل في الحالتين، ولن يكون شأنه كشأن الكثير.
ومن الحسن جدا في هذا الباب أن نذكر أن الأدب قيمة حيوية، أو قيمة إنسانية قبل أن يكون قيمة لغوية أو قيمة فنية أو تاريخية.
ويغنينا تذكر هذه الحقيقة عن الجدل، أو عن اللبس في كثير من الأمور.
فالذين يقولون: إن الطبيعة هي وحي الشاعر الأول الذي لا يحتاج بعده إلى وحي الصناعة.
Bilinmeyen sayfa