وبين الفقراء من يحسنون التعبير بالفصحى، أو يعبرون بالعامية تعبيرا يزينه جمالها، وتبدو عليه طلاوتها.
فإذا عطفنا على العامية، فإنما نعطف على الجهل ونستبقيه ونستزيده، ولا نخفف وطأة الفقر ذرة واحدة بتغليب عبارات الجهالة على العبارات التي تصاغ بها آراء المتعلمين والمهذبين.
إن علاج مشكلة الفقراء هي أن ترفع طبقتهم معيشة وتفكيرا وحديثا ومنزلة من التعليم والتهذيب، وليس علاج تلك المشكلة أن تسجل عليهم حالة من العجز والجهالة هي التي يشكون منها، ويسألون المعونة على علاجها.
وماذا يفيد الفقراء أن يسكن الأغنياء الأكواخ؟
وماذا يفيد الفقراء أن يتكلم المتعلمون لغة الجهلاء؟
وماذا يفيد الفقراء أن تساويهم في الحرمان من المال والعلم، ومن الفصاحة وقدرة التعبير؟
إنما يفيد الفقراء أن تصبح أكواخهم قصورا، أو كالقصور في الإراحة وتصحيح الأبدان.
وإنما يفيدهم أن يكون نصيبهم من اللغة كأحسن نصيب يتعلمه المتعلمون، فإن لم يبلغوا هذا المبلغ فالفائدة ألا يكون نصيبهم منها أحقر نصيب، وألا نسجل عليهم هذه الحالة المزرية كأنهم لا يصلحون لغيرها، ولا يطمحون إلى ما فوقها.
وإنما يفيد الفقراء أن يساووا أحسن الناس، لا أن يصبح أحسن الناس مثلهم في المعيشة والعمل والعلم والكلام.
ولم يقل أحد: إننا حين نبني القناطر والجسور والمستشفيات لعلاج داء الفقر ينبغي أن ننسى الهندسة لأن الفقراء لا يعرفونها.
Bilinmeyen sayfa