وأي سر أعمق من سر الوجود، وأحوج منه إلى التعبير والتقريب والإلحاح بعد الإلحاح في الاستكناه والاستطلاع!
ذلك ما أردناه حين قلنا: إن الصومعة قريبة من الروضة الأدبية، وذلك هو التعبير عن النفس بمعنى إثبات حقيقتها، وإثبات العلاقة بينها وبين الحقائق الكبرى.
ولكل نفس تعبيرها على حسب ما تحسه وتتوق إليه، فليس من الضروري أن ينتهي التعبير بكل إنسان إلى التعمق في أسرار الدين، ولكنه إذا انتهى ببعض الناس إلى التعمق في تلك الأسرار فليس ذلك بغريب. •••
أما أنني تمنيت الأدب ولم أتمن السعادة، فسبب ذلك بسيط لا نطيل الإفاضة فيه.
سببه أن السعادة أمنية عامة، وليست بالأمنية المحدودة أو الأمنية الخاصة.
فمن قال: إنه يتمنى السعادة، فكأنما قال: إنه يتمنى ما يتمناه كل إنسان، وكأنه بذلك لم يقل شيئا يستحق السؤال.
كلنا يتمنى السعادة، ولكن سعادة هذا غير سعادة ذاك.
سعادة هذا في المعرفة، وسعادة ذاك في جمع المال، وسعادة غيرهما في السطوة والاستعلاء، وسعادة آخرين في الراحة والقناعة، وكلهم يتمنون السعادة على نحو من الأنحاء.
فإذا سألني سائل ماذا تتمنى، فهو لا ينتظر مني أن أحيله إلى السعادة مجملة غير مفصلة، بل هو ينتظر مني أن أبين له الأمنية التي تسعدني إن ظفرت بها، أو التي أعتقد أن طريقها هو طريق السعادة وإن لم أصل إليها.
وكذلك لذة الحياة أو لذات الحياة، فهي مسألة وظيفة من وظائف البنية الحية، لا تحتاج إلى سؤال، وما من حي إلا وهو يشتهي أن يشعر باللذة وأن يجتنب الألم، وغاية ما بين الأحياء من فروق في هذا الباب أن يختلفوا في أسباب اللذة ودرجاتها على نحو قريب من اختلافهم في أسباب السعادة ودرجاتها.
Bilinmeyen sayfa