أن الحب كان عنصرا قويا بين العناصر التي ألهبت شاعريته المطبوعة، وقد جاء شعر الحب في نظم كيتس قويا صريحا مستقلا. (6)
أن ثقته بنفسه وفنه جعلت النقاد المتحاملين ينهزمون في النهاية أمامه، فكل محاولاتهم لم تصلح لتزييف جوهره الصحيح. (7)
أن أساليبه ونزعاته التجديدية لم ترض جمهرة الأدباء في البداية، ولكنها استحالت فيما بعد إلى مفخرة من مفاخر الأدب الإنجليزي، بل الأدب العالمي. (8)
أن شخصيته الأدبية القوية لم تهضمها البيئة ولا المطالعات، بل هو الذي هضمها، فخدم الشعر الإنجليزي حتى من الناحية الثقافية خدمة قيمة؛ لأنه ضمن شعره لطائف الميثولوجيا الشائقة، وتأملاته العميقة، وقد كان مرضه في ذاته مشعلا لذكائه، مبررا لشذوذه، ومن العبقريات ما يقترن بشذوذ المرض. (9)
أن المواهب الجديدة قد لا يعترف بها اعترافا منصفا إلا بعد زوال صاحبها ، وعلى الأخص إذا كان من الشباب؛ لأن الناس غالبا عبيد ما تعودوه، ويؤثرون الشك في كل جديد حتى ولو تجاوبت نفوسهم معه.
هذه الدروس نستفيدها من سيرة كيتس، وقد نستفيد نظائر لها من سير غيره من أعلام الشعر في الشرق والغرب على السواء، وهذه الدروس تتناول الرد على ما يوجهه النقاد إلى شعراء العربية المجددين في كثير، فإن من النقاد من ينادي بنفسه حاكما بأمره لا يطيق حتى النقاش الفني، ويعلن بأعلى صوته أن ما نعتبره تصوفا جميلا هو مثال مروع للشعر الإلحادي الذي يجب أن يصادر، وينسون في أي قرن يعيشون، بل ينسون حتى أبسط الأدب العلائي الذي يدعون فهمه وتقديره، وقد ذهب أبو العلاء المعري إلى درجة تحدي القرآن بينما الشعراء المعاصرون لا يشغلهم شيء من ذلك ... ويبلغ الشطط ببعض النقاد أن يستنكر تطعيم أدبنا العربي بالميثولوجيا الإغريقية الرائعة التي نفتقر إليها أشد الافتقار، بينما الإنجليز (وقد استوفوا نقل الروائع الأجنبية الأوروبية القديمة) يرقصون لترجمة الخيام، والمعري، والبهاء زهير، وابن الفارض، وغيرهم من شعراء الشرق إلى لغتهم، ويهللون أخيرا لمجهود الأستاذ أستارو مياموري (A. Miyamori)
في نقل الهيكوات اليابانية (وهي أشبه النظيم بالرباعيات عند الفرس) إلى اللغة الإنجليزية، فنحن على فقرنا نستنكر النقل والتطعيم، وغيرنا على غناه يرحب به، ونحن نحب القديم والمحافظة على ما لا جدوى منه، والإنجليز على رعايتهم للتقاليد، وحرصهم الشديد عليها أضعاف حرصنا يؤثرون أن يكونوا عمليين في إحياء لغتهم بمفرداتها وآدابها، حتى أغناهم هذا النشاط الفذ وهذه الحيوية الفريدة عن إنشاء مجمع لغوي لهم! ونحن نغبن شعراءنا وأدباءنا، ونتركهم يعانون الخصاصة الممضة وهم الرغيف، ثم نقول إن هذا لخير إنتاجهم الأدبي، وإن قرع آذاننا قول صائحهم:
1
بواد كدار الخلد بر المنازل
حييت، فما لي لا أفوز بنائل؟
Bilinmeyen sayfa