ورفض لئيم كاشح القلب حاقد
منالي أرزاقي بهمة عامل
بكت بلدتي حزنا علي وحسرة
وأحزن ما أبصرت دمع المنازل!
إن عقل الفنان (العقل الباطن) هو عقل الطفل الكبير الذي يصاحبه ولي أمره (العقل المدرك) ليرشده ويراعيه، ولكنه كثيرا ما يجامله، وإن استفاد هذا الطفل من تأملات مرشده وفلسفته بدرجات مختلفة حسب أهوائه وفهمه العجيب ... ولكنه إذا ترك وشأنه، وكانت له حيويته الفطرية وحريته المطلقة، فإنه يجيء لنا شعرا بما يشبه تصويرا «حلم ميكي» - وهو من تلك التصاوير المتحركة المفتنة التي طالما أحببناها عن ميكي ماوس ووالت دزني - فلو أنصف النقد لترك الشعراء يبدعون نماذجهم المنوعة من شعر خالص، وشعر فلسفي، وشعر تصويري، وشعر قصصي على اختلاف أساليبهم، فنحن بحاجة إلى كل هذا إنماء لثروتنا الشعرية، وها نحن الآن نرى في فرنسا بعثا شعريا جديدا منوعا للشعر يعمل له أمثال بول كلوديل، وفرنسيس جام، وبيير جان جوف في حرية تامة.
وإذا كان لمدرسة أبولو جريرة أقضت مضاجع الفرديين المتصنعين فهي تبشيرها بالمبادئ السابقة لخير الفن والفنانين، فقد أبت إباء عبادة الأصنام، واحترمت شخصية كل شاعر، وعملت على إظهار روائع كل منهم، ووضعت إبداعهم جميعه في بوتقة واحدة، إذ الواقع أن الفنان الصحيح غير أناني، وإن يكن شخصي التعبير ... كذلك شجعت النقد الأدبي، واحترمت النقاد سواء أكانوا لها أم عليها، ولكنها لم تحترم أصنامهم كما لا تحترم أصنام الشعراء! وبهذه المبادئ يدين صاحب هذا الديوان من الوجهة الثقافية العامة، وحول هذه المبادئ تدور حرب طاحنة يعززها من الجانب الآخر من يريدون الظهور الأناني على حساب المجموع، وعلى حساب الأدب، كلفهم ذلك ما كلفهم من تحامل وإسفاف!
إن الشاعر ككل فنان يعمل على تخليد صور الحياة الفانية وذكرياتها في النسق الذي يستطيع به استرجاعها لروحه العالمية كلما تأمل ذلك النسق الفني سواء أكان شعرا أم تصويرا، أم نحتا أم عزفا، أم غير ذلك، وهو حينما يتأمل التسجيل الفني لم يقتصر على تصورها بالذات، بل تصور أيضا علاقاتها بالوجود بحكم طبيعته التصوفية التي جعلت شكسبير يقول:
Tongues in trees, books in the running brooks
Sermons in stone, and good in everything.
والحياة في ذاتها عالم إيقاعي، فإذا أحس الإنسان بالحاجة إلى العزاء جنح إلى الاندماج في عالم الحياة اندماجا أوفى كأنه يطلب حمايتها، والإيقاع هو الممر الذي يسلكه أو هو أدنى المسالك الميسورة، وهذا هو ما يفسر النزوع الفطري إلى الجمع بين الروح الشاعرة المتصوفة والإيقاع. وبديهي أن ألوان هذا التزاوج تتعدد إلى ما لا نهاية، ومن ثمة وجب علينا احترام شخصيات الشعراء، وتشجيع التنويع بدل الالتفاف حول شخصيات قليلة معدودة لا يمكن أن تجتمع روائع الفن الشعري ولا الفن الموسيقي فيها وحدها، كيفما عظمت هذه الشخصيات في ذاتها.
Bilinmeyen sayfa