Yamini
اليميني
وشاور صاحب الجيش الخوارزمي عامة قواده في ركضة على طلائع السلطان بياتا تعضهم بأنياب الحديد، إن لم تسلمهم للتشريد والتبديد، فطار تحت خوافي الليل حتى انقض على أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي- وهو طليعة السلطان في كماة العرب- حين أنقض الكرى رؤوسهم، وشغل برد الصباح نفوسهم. واختلط البعض بالبعض ضربا بالسيوف القواصل، وطعنا بالرماح الذوابل. وطار الخبر إلى السلطان بركض القوم، فزحف بجيوشه إلى معترك «5» الحرب. وثبتت الخوارزمية من لدن طلوع الشمس إلى أن حمي وطيس النهار جاهدين في القراع، مجاهدين دون المساكن والرباع، يظنون أن يظفروا وقد غدروا بمن رباهم في حجور الإنعام، وأرواهم من ثدي الإكرام، هيهات إن الغدر قلادة منظومة، أحد طرفيها عاجل العار، وثانيها «1» آجل النار. ولم تشرف الشمس على التكبيد حتى أضجعت الخيول [218 أ] ثم الفيول رجالا حكوا جمالا، قد قصفت أصلابهم، وانتهبت أسلابهم، وفلقت بالسيوف هامهم، وبضعت بها «2» أجسامهم، وانهزم الباقون في خمر الغياض على شاطى ء جيحون، والصوارم من ورائهم تخطب أرواحهم، حتى إذا واقعتها نحلتها «3» الطلاق صداقا. واستأسر زهاء خمسة آلاف حقن الله دماءهم عبرة للنظار، وعظة لأمثالهم من الغدرة الفجار. وركب البخاري ظهر الماء موائلا «4» في الهرب، ومقدرا خلاصه من العطب، ولم يدر أن فعلة السوء تجزيه، وإقدامه على ولي نعمته يرديه «5»، وأن حافر البئر لأخيه ساقط لا محالة فيه.
وجرت [في الزورق] «6» بينه وبين بعض أضرابه منافرة حملته على الاستيثاق «7» منه، وبعث الملاح على استقبال المعسكر «8» بوجه الزورق، فلم ينشب إلا يسيرا، حتى حصل في يد السلطان أسيرا. وأحضره السلطان مجلسه في سائر القواد المأسورين، يسأله وإياهم عن استحلالهم دم صاحبهم من غير داعية، واجترائهم عليه من غير وطأة عاتية. فرد جواب المستبسل المستقتل، وأما الباقون فسقط في أيديهم لا يدرون ماذا يردون.
Sayfa 398