[19]
المنصور قال له، ولعيسى بن علي، والعباس بن محمد، وغيرهم من خواصه: أني قد عزمت على تقليد المهدي السواد وكور دجلة. فاستصوب جميعهم رأيه خلا الطوسي، فإنه استخلاه، ثم قال له: أرأيت إن سلك المهدي غير سيرتك، واستعمل التسهيل، أترضى بذلك؟ قال: لا والله، قال: فأنت تريد أن تحببه إلى الرعية، وتقليدك إياه يبغضه إليهم، لا سيما ما قرب منك. ولكن يتولى هذه الولاية عيسى بن موسى، وتجعل المهدي الناظر في ظلامات الناس، وتأمره يأخذه بإنصافهم. فضحك منه حتى فحص برجليه.
ومات قبيصة بن ذؤيب، فولى مكانه عمرو بن الحارث الفهمي، مولى بني عامر بن لؤي، فمات عمرو، فقلد جناحا، مولاه، ديوان الخاتم، واقتصر على باقي كتابه.
ولم يزل بالكوفة والبصرة ديوانان: أحداهما بالعربية، لإحصاء الناس وأعطياتهم، وهذا الذي كان عمر قد رسمه، والآخر لوجه الأموال، بالفارسية. وكان بالشام مثل ذلك، أحدهما بالرومية، والآخر بالعربية. فجرى الأمر على ذلك إلى أيام عبد الملك بن مروان.
فلما قلد الحجاج العراق، كان يكتب له صالح بن عبد الرحمن، ويكنى: أبا الوليد. وكان يتقلد ديوان الفارسية إذ ذاك زاذان فروخ، فخلفه عليه صالح بن عبد الرحمن، فخف على قلب الحجاج، وخص به، فقال لزاذان فروخ: إني قد خففت على قلب الحجاج، ولست آمن أن أزيلك عن محلك لتقديمه إياي، وأنت رئيسي، فقال زاذان فروخ: لا تفعل، فانه أحوج إلى منى إليه، قال: فكيف ذلك؟ قال: لا يجد من يكفيه الحساب، فقال صالح: إني لو شئت حولته بالعربية، قال: فحول منه سطرا، فحول منه شيئا كثيرا. فقال فروخ لأصحابه: التمسوا مكسبا غير هذا. وأمر الحجاج صالحا بنقل الدواوين إلى العربية في سنة ثمان وسبعين.
Sayfa 28