فقاطعته المرأة قائلة: وفلانة راح زوجها إلى أميركا وانقطع خبره، وفلان باع بيته المرهون لأن زوجته ما ردت له «الناولون»، وأمس جاء خبر فلان وفلان من أميركا.
وطال الحديث بين هدلا والرجل، وزوجها مطرق كأنه أخرس أطرش، فهزته كالمداعبة: ما قولتك أنت؟ فتنهد وقال: حيران والله، الفرقة صعبة، لا الصبر هين ولا كيد العدا هين.
فصاحت هدلا: قو قلبك، نشحذ ونعيش، رجلي ورجلك، أنتم الرجال لا يركن لكم ...
فضحك فرنسيس وقال: روحي أنت. فاصفر وجه هدلا كالزعفران.
وبعد أسابيع كتب صك الرهن وقبض فرنسيس مبلغا كبيرا جهز «الشيخة» الراحلة، وبقي له قسم ينفق منه إلى أن يفرجها المولى، ويرد المال من خلف البحر.
الباخرة تتهيأ وقد لمت مراسيها، وهدلا تقبض بيسراها على درابزين الباخرة، وتلوح بيمناها تلويحات تزداد شدة وعنفا كلما ازدادت السفينة صفيرا، وزوجها وأولادها على المرفأ يلوحون بالمناديل مثلها، وتحركت الباخرة فصرخت هدلا وهوت، فتلقاها ابن الجيران المسافر أيضا، فارتمت فوق صدره وهوى رأسها على كتفه مستندا إلى خده، وثنى الشاب يديه على خصرها فكانتا له كنطاق.
شاهد ذلك الشيخ فرنسيس، فكادت الغيرة تأكل قلبه، انتظر ختام المشهد العنيف فإذا به يمتد ويتطور ويلح في استفزازه ... تمنى لو تحول السفينة عنه وجهها فيستريح، ولكن السفينة ليست من أبناء ضيعته لتغضي من مهابته، فهي تجري على عينيه وتريه بوضوح كل الحركات الهستيرية المثيرة للشعور.
ولما طال تقلص هدلا وتمددها بين ذراعي ذلك العتل، زفر الشيخ فرنسيس زفرة تحرق العشب وقال: اقبض يا فرنسيس، هذي أول دفعة من مال أمريكا ...
2
الفراق مر وأمر منه شماتة الأعداء، رأى فرنسيس الشماتة على جميع وجوه القرية حتى كاد يراها ممزوجة بشيء من الازدراء في عيون أخلص أصحابه، فأمسى يحسب كل ابتسامة هزءا به، رأى في بنيه - وخصوصا بنته - ذلا وانكسارا، فتعاظم اضطرابه، فطفق يفوه في مجلسه بكلمات متقطعة تفلت من محابسها عفوا، وشاء أخلص خلصائه أن يهون عليه فراق زوجته، وحاول فرنسيس أن يتجمل فخانته دموعه.
Bilinmeyen sayfa