Varoluşçuluk: Çok Kısa Bir Giriş
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Türler
أشرت سابقا إلى أن كيركجارد عرف بمعاداته للمؤسسات الهيكلية الثلاث في المجتمع الدانماركي في عصره؛ الفلسفة الهيجلية وكنيسة الدولة والصحف المطبوعة. استبدلت الفلسفة الهيجلية، في نظره، المفهوم المجرد بالحياة. وقد اتفق مع المدرسة الفكرية السائدة آنذاك في الدانمارك في أن الحياة يمكن فهمها «من الناحية التاريخية» من حيث إن النظام الهيجلي يمكن أن يكشف عن حتمية الأحداث بعد وقوعها. لكنه أصر على أن هذا الافتراض لا يصح أمام احتمالات الحياة التي نعيشها.
صحيح تماما - كما يقول الفلاسفة - أن الحياة يجب أن نفهمها في ضوء الماضي. لكنهم نسوا الافتراض الآخر بأننا يجب أن نعيشها في ضوء المستقبل. («المذكرات»، 1843)
يمكن تنظيم الأفكار، أما الحياة فلا. إذا حاولت أن تعيش حياتك بالاعتماد على الفلسفة الهيجلية المجردة - حسبما يتهكم كيركجارد - فسيكون الأمر أشبه بتسليم ثيابك المتسخة إلى مغسلة مكتوب عليها «انتهى الغسيل» واكتشاف أن اللافتة للبيع!
لكن الكنيسة اللوثرية الرسمية للدولة لم تكن أفضل حالا؛ فعندما تولى كيركجارد مشروع إعادة تقديم «المسيحية» الإنجيلية إلى «العالم المسيحي»، وصف كيركجارد العالم المسيحي بالحضارة التي روجت للرضى عن الذات والطمع والقبول الرمزي بالفقراء والمعذبين، مع الاستفادة من تطابقها مع القوى السياسية والاقتصادية السائدة في هذا العصر. وقد نبه إلى أن الدولة توظف ألف مسئول (رجال الدين) ممن، في أثناء مزاولتهم للمسيحية، لا يهتمون في الواقع إلا بمدخولاتهم، ويمنعون الناس بالفعل من معرفة المعنى الحقيقي للمسيحية. صحيح أن أخاه كان قسا، وسورين نفسه فكر في الالتحاق بالدير، إلا أن تدينه الخاص وضعه في وضع حرج مع الكنيسة الرسمية.
وكانت هناك الصحف المطبوعة التي اعتبرها كيركجارد مؤسسة مخلة بالأخلاق؛ فهي تنتقص من قيمة البحث الجريء عن الحقيقة وتعمل بدلا من ذلك على تشكيل الرأي العام، أي وجهة نظر الكثرة الذين لا يريدون المخاطرة باحتمالية الإقصاء عن الأغلبية نتيجة فكرهم المستقل. وقد دفع ثمن هذه الآراء غاليا من خلال السخرية التي عاناها على يد دورية أسبوعية ساخرة بعينها، وهي «القرصان»؛ فقد صورته رسومها الكاريكاتيرية على أنه أضحوكة كوبنهاجن، حتى إنه صار يتردد في الخروج في جولات المشي المحببة إليه في أرجاء المدينة.
أما عن الطبقة البرجوازية بصورة عامة، فقد كتب أن الأخلاق، بالنسبة إليهم، تحتل الصدارة، وهي أهم من الذكاء، لكنهم لم يشعروا بالحماس قط تجاه العظماء الموهوبين، حتى ولو بمظهر ادعائي استثنائي. إن «أخلاقياتهم» هي خلاصة موجزة للشعارات المتنوعة التي يرفعها رجال الشرطة؛ بمعنى أن أهم شيء هو أن يكونوا أعضاء نافعين في المجتمع، وأن يبثوا آراءهم خلال اللقاءات المسائية، وهم لا يشعرون أبدا بهذا الحنين إلى شيء مجهول، شيء بعيد، ولا يشعرون على الإطلاق بخطورة كونهم نكرات. («المذكرات»، 14 يوليو 1837).
كان من الممكن أن يعبر نيتشه عن كل هذه الآراء؛ فقد اتسم كلاهما بالصراحة الفجة والقدرة على رصد الجبن والنفاق. وقد استعان كل منهما بالاستعداد السقراطي للتعرض للاضطهاد في سبيل الحق، وكلاهما كتب بذكاء وحيوية.
كما أشرت في
الفصل الثاني ، فكثير مما سبق ذكر تأييدا «للفرد»، وهو ما يبرر سمعة كيركجارد باعتباره ميالا للنخبة وغير سياسي. وعدم ثقته في الثورات وفي عامة الشعب الذين يشنونها هو أمر مفهوم تماما. وإذا كانت سخريته الجافة لم تستثن الدولة الملكية أو الأرستقراطيين، فيجب ألا ننظر إلى هذا على أنه إشارة بالنزوع إلى المساواة. بل على الأصح، دافع كيركجارد عن نوع من الرجعية تلجأ إليه غالبا التوجهات المتشككة. وبهذا المعنى، تمثل «فرديته» نقطة الانطلاق لمحاولتنا تعقب مسار الضمير الاجتماعي في المنهج الوجودي.
لكن قبل الانتقال إلى نيتشه - وهو الشخصية الثانية في هذه المرحلة المبدئية - يجب أن نذكر أن مسيحية كيركجارد - وهي النموذج عينه الذي هاجم من خلاله «العالم المسيحي» - كانت تراعي بوضوح المأزق الذي يعانيه الفقراء والمقموعون. كان نقده لسياسة الكنسية والموظفين الكنسيين قائما على «القيم الإنجيلية». وسواء أصاب أم أخطأ، فقد ركز نقده لكنيسة الدولة على أنها تهدم هذه القيم عمليا وهي تنادي بها نظريا. لكن طوال سنة مزدهرة بالثورات الأوروبية (1848) - بما في ذلك الثورة التي وقعت قبالة نافذة مكتبه وهو ينقح تجربة كتابه الجديد - بدا كيركجارد مهموما أكثر بالحياة الداخلية؛ حيث ركز على تعزيز السلوك الرحيم تجاه المحتاجين ومنهم، أكثر من تركيزه على الممارسات الاجتماعية الظالمة التي أشعلت جذوة السلوك الثوري. بالطبع تعتبر مقارنته بين زمن الثورة باعتباره مفعما بشكل أساسي بالعواطف المشحونة وبين الزمن الحاضر باعتباره «بشكل أساسي زمنا عاقلا وتأمليا وخاويا من العاطفة، يتفجر بالحماس السطحي قصير العمر ويتمرغ في التراخي بكل احتراز»؛ نقدا نفسيا اجتماعيا. وفي حين جعلته فصاحته يهاجم في ضراوة - مثل تعليقه بأنه «على العكس من زمن الثورة، الذي كان فعلا، فإن الزمن الحاضر هو زمن الدعاية، زمن التصريحات المتنوعة: لا شيء يحدث لكن مع هذا هناك دعاية فورية» - فإن ذكاءه المتشكك قيده؛ ولذلك يصر على أن فصلا في كتابه «أعمال حب» (1847) الذي يتحدث عن «الرحمة» قد كتب بهدف معارضة الشيوعية مباشرة. ويبدو أن التغيير السلوكي بدلا من الانقلاب الاجتماعي هو حله المفضل؛ أي التحول الذاتي بدلا من الثورة السياسية.
Bilinmeyen sayfa