فقال الشيخ في حزن يتردد فيه الغضب: لم يبق لي ما أخشى عليه يا نفيل؟ أما تعرف أين أبو عاصم؟
فأجاب نفيل: ما هي سوى كلمات سمعتها، يقولون هو غاضب من أبرهة، أو أبرهة غاضب عليه. ولكن من هذا؟
والتفت فجأة إلى باب الإيوان وقال في دفعة: هذا أبو عاصم.
وذهب نحوه مسرعا حتى أتى به إلى الشيخ، فتلقاه فاتحا ذراعيه قائلا: كاد نفيل يؤيسني من لقائك.
ومضت بعد التحية لحظة طويلة قبل أن يقول الشيخ أبو عاصم: وماذا أتى بك إلى هنا يا ذا نفر؟
فقال الشيخ باسما: أتت بي راحلتي.
ونظر في وجهه لحظة أخرى ثم قال: وحق مناة لولا نفيل ما عرفتك يا أبا عاصم، أكنت تحسب أن نتلاقى يوما ها هنا؟ كيف حالك منذ تفارقنا؟
وسمع نفيل صوتا يناديه من بين جماعة أقبلت جديدة، فذهب إليها وترك الشيخين وحدهما.
وقال أبو عاصم في هدوء: الشمس تشرق فلا أكاد أراها، وتغرب فلا أكاد أفتقد نورها. وآكل إذا حضر الطعام، ولا أحس عطشا عندما أرفع الماء إلى فمي، لا أذكر شيئا من أيام حياتي كأنني أعيش في هباء، لا أذكر إلا الماضي البعيد كأنه لم يمض إلا منذ ساعة. - ألا تذكر آخر يوم تلاقينا؟
فقال ذو نفر: أكانت حقا عشرين عاما؟ ما أسرع ما تمضي السنوات يا أبا عاصم ونحن لا نكاد نحس مرورها.
Bilinmeyen sayfa