127

ثم رأيت رجلا لم أر مثله في حياتي، رجلا شعرت عندما لقيته كأنني طفل إلى جنب أبيه. لم أكن أومن بشيء من تلك الآلهة الصماء، ولم يكن في صدري مودة لأحد، ومع ذلك حدثت الأعجوبة. ألم تسمع بعبد المطلب بن هاشم؟

فقال سيف: بلى يا نفيل، وأظنه منا.

فقال نفيل ضاحكا: تقصد أن أمه خزرجية؟ إنها قرابة بعيدة لم أذكرها. ولكنه فتح قلبي بصوته العميق عندما رحب بي قائلا: «يا ولدي!» ولم يقل لي: «أيها الخائن.» وأخذ بيدي وطاف بالكعبة، وجعل يحدثني قائلا: «يا بن أخي.»

وأطرق نفيل حينا كأنه ينتظر حتى تهدأ نفسه، ثم استأنف قائلا: وقال لي الشيخ: أحقا جئت مع هؤلاء لتهدموا الكعبة؟

فقلت له متحديا: هي كومة من حجارة.

فقال الشيخ: وما بقاء العرب إذا انتصر أبرهة على قريش؟

فقلت له: أتهلك نفسك وقومك؟

فقال الشيخ في حدة: وإذا لم نهلك اليوم أما نهلك غدا؟ وماذا ينتظرنا إذا لم نهلك؟ أليست هذ العبودية؟ لا يا نفيل. ما هكذا ينبغي لك أن تقول. بل قل: إن العبودية شر من الهلاك.

ووقعت كلماته في قلبي كأنها أسنة حراب لا وخزات لوم. وانصرفت إلى نفسي أنظر إليها مكشوفة، فإذا هي نفس عبد آثر الحقد والحياة على الحرية والكرامة، وتواريت عن نظرات الشيخ وهو ينتظر إجابتي، حتى قال في صوته الضخم: عد إلى أبرهة يا نفيل وقل له جوابي.

فقلت له في دفعة: بل أبقى ها هنا، سأبقى مع قريش، سأحارب معكم يا أبا عبد الله لعلي أقتل في المعركة. سأحارب من أجل هذه الكعبة وإن كنت لا أومن بآلهتها.

Bilinmeyen sayfa