Writings of Islam's Enemies and Their Discussion
كتابات أعداء الإسلام ومناقشتها
Baskı Numarası
الأولى / ١٤٢٢ هـ
Yayın Yılı
٢٠٠٢ م
Türler
كتابات أعداء الإسلام ومناقشتها
عماد الشربيني
١
الطبعة الأولى: ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م
رقم الإيداع بدار الكتب المصرية: ١٤١٨٥ / ٢٠٠١
الترقيم الدولي: ٩٧٧-٣٣٦-.٥٢-.
I
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله ﷿:
﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ثُم
لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (١)
وقال رسول الله ﷺ
﴿يُوشِكُ الرَجُلُ مُتَّكِئًا عَلى أرِيكَتِهِ، يُحَدِّثُ بَحَدِيث
مِنْ حَدِيثي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ،
فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَل اسْتَحْلَلْنَاهُ،
ومَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلاَ وإنَّ
مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مِثْلُ مَا حَرَّم اللهُ﴾ (٢)
إهداء
* إلى والديَّ: اللذين ربياني على مائدة القرآن، وأرشداني لدروب الخير، ووهباني للأزهر والعلم، وأدبا، وعلما، وصبرا، واحتسبا، ودفعاني للبحث دفعًا، وأنفقا كل مرتخص وغال اسأل الله ﷿، أن يبارك فيهما، ويرزقني برَّهما، وأن يمدّ في عمرهما، ويحسن خاتمهما، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهما يوم القيامة.
* إلى مشايخي وأساتذتي بكلية أصول الدين بالقاهرة، وأخص منهم بالذكر السادة الأساتذة أصحاب الفضيلة، الدكتور الشيخ إسماعيل عبد الخالق الدفتار، والدكتور الشيخ عبد المهدي عبد القادر، والدكتور الشيخ طه الدسوقي حبيشي، اسأل الله ﷿ أن يبارك في مشايخي وأساتذتي جميعًا، وان ينفع بهم الإسلام والمسلمين.
* إلى زوجي: أم صلاح الدين التي لم تدخر جهدًا في مساعدتي، فواصلت مع الليل بالنهار؛ لأجل إخراج هذا الكتاب فبارك الله ﷿ فيها، وفي ولدي صلاح الدين.
* إلى إخوتي: الذين وفروا لي سبُل الراحة لأتفرغ لطلب العلم؛ فبارك الله ﷿ فيهم.
* إلى كل من نصحني فأحسن النصيحة، وكان عونًا لي على إخراج هذا الكتاب.
* إلى كل هؤلاء أهدي باكورة أبحاثي - وهي هذا الكتاب.
_________
(١) الآية ٦٥ من سورة النساء.
(٢) انظر تخريجه ص ٢٢٨.
1 / 1
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،
فإن القرآن الكريم والسنة النبوية أساس الإسلام وينبوعه، ولقد حظيا باهتمام الأمة الإسلامية اهتمامًا منقطع النظير، فخدما من كل ناحية، وبذلت الجهود في تقريبهما من كل زاوية.
ومن باب العناية بالقرآن والسنة دفع شبهات أعداء الإسلام عنهما، فإن أعداء الإسلام يحاربون الإسلام من كثير من النواحي، وكان نصيب القرآن والسنة كبير، فهم يحاولون إثارة شبهات، ويحاولون انتقاد القرآن والسنة، ونصيب السنة من افتراءاتهم أكبر، فهم على طول التاريخ يحاولون اختلاق الأباطيل على السنة النبوية وعلماء الإسلام لهم بالمرصاد، يفندون افتراءاتهم، ويبينون كذبهم وزورهم.
وفي أيامنا هذه طغى الكفر، وأثار أهله وأذنابهم الكثير من الشبهات التى هي في حقيقة الأمر افتراءات وأكاذيب، جاءوا بأكاذيب سابقيهم ونسجوا على منوالها ويحرفون النص ليعطي غير معناه، ويبترون النص ليفيد غير المراد منه، وإذا وجدوا حديثًا صحيحًا لا يوافق أهواءهم ادعوا أنه لا يوافق العقل، يريدون عقلهم الذي يبغض الحق والإسلام.
وإذا وجدوا حديثًا ضعيفًا أو موضوعًا يوافق مرادهم ادعوا صحته وثبوته.
إن طائفة من أهل الكفر وأتباعهم راحوا يثيرون الافتراءات والأباطيل ضد السنة النبوية، يظنون أنهم بذلك يبعدونها من حياة المسلمين، وجهل هؤلاء أن الإسلام بمصدريه القرآن والسنة يحفطه الله، ويوفق له من أهل العلم من يزود عنه، ويبين الحق والصواب، ويبطل الباطل مهما كثر وزاد.
والحمد لله هيأ الله تبارك تعالى للسنة النبوية في أيامنا هذه عددًا من أهل العلم يبينون الحق ويبطلون الباطل، تحدثوا وكتبوا، وحاضروا وخطبوا، وسيظلون على هذا النهج إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
1 / 2
ومن هؤلاء المدافعين عن السنة النبوية الأخ الباحث / عماد الشربيني، ففي كتابه السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام استعرض أقوال أعداء السنة النبوية، وعزا كل قول لصاحبه، وذكر مصدر كل قول، وكر على كل قول بما أبان كذبهم وافتراءهم.
لقد استعرض - وفقه الله - شبههم، ورد عليها بالدليل القاطع والبرهان الساطع، وهو من أهل الحديث النبوي الشريف، وهذا مكنه من إيراد الدليل من كتب السنة المطهرة، يعزو الحديث لمصدره، ويبين صحته وثبوته، وله دراية باللغة، وحس بأدبها، وهذا مكنه بفضل الله من إبراز الحق في الموضوع الذي يدرسه.
وأيضا للأخ عماد نفس طويل في تتبع ما قيل عن السنة النبوية من أعدائها، ودراية بتناقل افتراءاتهم، مما مكنه من إبراز تاريخ الشبهة ثم دحضها.
وأسأل الله أن يتقبل من الأخ عماد عمله، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.
والحمد الله رب العالمين.
١٧ / ٥/ ١٤٢٢هـ
٧ / ٨ / ٢٠٠١م
أ. د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي
أستاذ الحديث بجامعة الأزهر
1 / 3
مقدمة المؤلف
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير، الحمد لله رب العالمين الذى هدانا وعلَّمنا، ومنَّ علينا، وتفضل ببلوغ المراد من خدمة سنة سيد المشرِّعين، التى فسرت الكتاب الكريم، وبينته للناس، وحيًا بوحى، ونورًا بنور، فاكتمل بهما الدين القويم، والصراط المستقيم.
اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب العالمين، سبحانك لا نحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، ليكون أمينًا على وحيه، مبينًا لكتابه، خاتمًا لأنبيائه ورسله، ولتقوم به الحجة على هذه الأمة إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه البررة الأوفياء، أئمة الدين، وصفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين.
ورضي الله عمن تبع سنتهم، وسلك طريقتهم، واقتفى أثرهم، ونصرهم إلى يوم الدين.
ثم أما بعد
فإن الله ﷿ بعث سيدنا محمدًا ﷺ. على فترة من الرسل، ليكون هداية للبشر جميعًا، وليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه وحيين عظيمين:
أولهما: كتاب الله ﷿ الذى وصفه بقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (١) وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (٢) .
_________
(١) الآيتان ٤١، ٤٢ من سورة فصلت.
(٢) الآية ٥٢ من سورة الشورى
1 / 4
ثانيهما: السنة الغراء، والتى هى البيان لكتاب الله ﷿، وهذا البيان أسنده رب العزة إلى نبيه ﷺ.، فقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (١)
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (٢) .
... ووصف رب العزة هذا البيان بأنه منزل من عنده ﷿ فقال: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (٣) .
... ووصف تعالىهذا البيان بأنه وحى يوحى فقال ﷿: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (٤) .
وبهذا البيان، كانت علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة، علاقة متلازمة لا ينفصل أحدهما عن الآخر؛ فالسنة المطهرة كالروح للبدن، والنور للعين، بل إن الضرورة إليها أكثر من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها.
_________
(١) الآية ٤٤ من سورة النحل.
(٢) الآية ٦٤ من سورة النحل.
(٣) الآيتان ١٨، ١٩ من سورة القيامة.
(٤) الآيتان ٣، ٤ من سورة النجم.
1 / 5
وبالقرآن والسنة معًا قام بناء الإسلام، وتأسست دولة الإسلام، واستمدت منهجها من المصدرين معًا.
وقد كانت أمة الإسلام حتى وفاة النبى ﷺ.، وصدر من عصر صحابته أمةً، على منهج واحد فى التسليم لنصوص الوحيين الكتاب والسنة، وعدم التقدم بين يديهما، ولم يعارضوا نصًا ولم يحرفوه، ولم يقبلوا قول كائنٍ من كان، إذا خالف كتاب الله ﷿، وسنة نبيه ﷺ.
على هذا المنهج سار الصحابة الكرام، ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان، إلى أن بدأت الأقوال الشاذة، والاتجاهات المنحرفة تظهر فى ساحة الإسلام، فظهر الكلام فى القدر، والوعد والوعيد، والطعن فى الصحابة، والكلام فى صفات الله ﷿ وغير ذلك.
فتبنى ذلك أقوام ونصروا تلك الأقوال وعضدوها، فتكونت من ذلك فرق ونحل، واحتدم بينهم الخلاف، واشتد النزاع، وبدأت الفُرقة، فلجأت كل فرقة إلى القرآن الكريم لتنصر أفكارها وتعضد أقوالها، فأعجزهم القرآن أن يجدوا فيه ما يدعم ذلك الباطل؛ فسلطوا عليه معاول التأويل، ثم انتقلوا إلى السنة ليجدوا فيها ما يتمنون، فلم يفلحوا، فوضعت هنالك أحاديث، وطعن فى أخرى، وحُرِّفَ كثير منها، وتجاسرت العقول على نصوص الوحى، فواجهتها بالرِّد والتكذيب والتحريف والتبديل.
وكان لآراء تلك الفرق فى الصحابة، ونظرتهم إلى الحديث والمحدثين، ورميهم إياهم بحمل الكذب، ورواية المتناقض، وذمهم ومبالغتهم فى انتقاصهم، أكبر الأثر فيما أثير حول السنة النبوية من شبهات وقد مهدت تلك الفرق وعلى رأسها المعتزلة السبيل، وفتحوا الباب على مصراعيه، فولج منه كثير من أعداء هذا الدين من اليهود والنصارى.
1 / 6
وإذا كانت فى القرن الثانى الهجرى هبت أعاصير عاتية تهدف إلى الإطاحة بالسنة، وإبعاد المسلمين عنها، وتشكيكهم فى طرق نقلها ورواتها ...، فقد كانت فى القرن الثانى أيضًا العلامات البارزة فى طريق رعاية السنة النبوية الكريمة وتوثيقها ... وقيض الله تعالى أئمة كبارًا فى هذا القرن، وقفوا فى وجه هذه الأعاصير يردون كيدها، حتى ارتدت سهام العابثين إلى نحورهم، وأصبحت ذكراهم فى كتب الرجال تهيج مشاعر الغضب نحوهم، والسخط عليهم من كل غيور على دينه، جزاء إثمهم وافترائهم على نبينا ﷺ.، وما أقدموا عليه من تشويه سنته المطهرة.
... وما أشبه الليلة بالبارحة كما يقولون!، فقد نبتت نابتة فى عصرنا الحديث تشكك فى السنة، فى هجمة شرسة غاشمة، لم نسمع بمثلها من قبل، هجمة تكاتفت لها كل قوى الشر والبغى من الشيوعيين الملاحدة، والصليبيين، والصهاينة، ودعاة اللادينية من العلمانيين، والبهائيين، والقاديانيين، وغيرهم ممن يجمعهم معسكر العداء للإسلام وأهله، وزعمت هذه النابتة أن السنة حرفت وبدلت ... وأن أسس توثيقها كانت واهية وشكلية، ولم تنهض بعبء الحفاظ عليها.
ومن المؤسف حقًا أن يكون من بين أبناء الإسلام من يزعم بصريح اللفظ: لا حجة فى السنة، إنما الحجة فى القرآن وحده دون سواه، وقد وجدنا بعضًا من هؤلاء فى لاهور بباكستان، وسمت نفسها جماعة القرآن، وهى أعدى أعدائه، إذ تتهجم على تفسيره.وهى لا تعرف من العربية حرفًا واحدًا، وتعتمد على تراجم شائهة.وتعتبر ما فيها هو الحجة من غير احتياج لسنة رسول الله ﷺ.
وإن هؤلاء إن استقام لهم طريقهم لأدى ذلك إلى أن يصاب القرآن بما أصيبت به الكتب السابقة، إذ اعتراها التغيير والتبديل بسبب التراجم، وضاع الأصل.
1 / 7
وقد وجدنا مثل هذا الفريق فى مصر، وبعضهم يتبوأ مراكز علمية عالية، ويتستر وراء بعض الألقاب كمستشار، أو دكتور، أو مفكر إسلامى ... إلخ، وقد قمت بصحبة بعضهم، للاطلاع على أحوالهم وأساليبهم فى الكيد للسنة المطهرة، ورأيت كيف يخططون وينسقون مع بعضهم البعض، ورأيت كيف يستمدون المعونة ممن يكيدون لديننا ولأمتنا الإسلامية ليل نهار. من أعداء الإسلام الظاهرين، فالتقوا جميعًا على هجوم شرس غاشم على السنة المطهرة.
ومن الواضح أن المؤامرات العدائية للإسلام تلبس فى كل عصر لبوسها، فهى حين يكون المسلمون أقوياء تأخذ طريق التهديم الفكرى والخلقى، والاجتماعى، وحين يكونون ضعفاء تتخذ طريق الحرب والتجمع، وتستهدف الإبادة والإفناء، فإذا عجزت طريق الحرب عن تحقيق أهدافها، انقلبت إلى طريق فكرى خداع، تستهوى عقول الغافلين أو المغفلين، فينبت للإسلام فى داخل أسواره نابتة تنحرف شيئًا فشيئًا عن عقيدة الإسلام السمحة، المشرقة، حتى تنتهى إلى عقائد، وأفكار تخالف المبادئ الأساسية للإسلام، وتحقق الأهداف الرئيسية التى يسعى إليها أعداؤه، من حيث أنهم لا علاقة لهم بهذا التخريب والتهديم.
والذى يمكن أن أقرره هنا ... أن علل الأمة وأدواءها، لا تأتيها من الخارج بمقدار ما تأتيها من الداخل، ومن نفسها قبل غيرها.
ولله در من قال: ما أخشى على المسلمين إلا من المسلمين، ما أخشى من الأجانب كما أخشى من المسلمين، وهو كلام أصاب كبد الحقيقة (١) .
فالخطر الأكبر من هذا الهجوم الشرس على السنة المطهرة فى عصرنا يأتى ممن ينتسبون إلى الإسلام، ممن هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وهذا ما دفعنى إلى اختيار موضوع هذا الكتاب "السنة النبوية فى كتابات أعداء الإسلام فى الكتابات العربية".
وقد هدفت من كتابته إلى عدة أهداف منها:
_________
(١) لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ لشكيب أرسلان ص ٦٧.
1 / 8
أولًا: كثرة الأعاصير التى تهب فى وجه السنة النبوية من جميع أنحاء الدنيا، مستهدفة محو أثرها، وقلع جذورها، حتى يفقد المسلمون الصورة التطبيقية الحقيقية لحياة رسول الله ﷺ.، وبذلك يفقد الإسلام أكبر عناصر قوته.
فأحببت أن تكون لى مشاركة فى صد تلك الأعاصير، وإيقاف زحفها مع من بذلوا جهودًا فى الدفاع عن السنة لحماية حصنها من التهديم والتخريب، راجيًا بذلك المثوبة من الله تعالى.
ثانيًا: بيان أن السنة حجة لا نزاع فيها بين المسلمين، وأنها ضرورة دينية، ومن أنكر حجيتها بشروطها المعروفة فى الأصول كفر، وخرج عن دائرة الإسلام.
ثالثًا: أن يكون هذا البحث هاديًا لمن تأثر من أبناء الإسلام بشبهات أعداء السنة، وأساليبهم فى الكيد لها، مما يوجب على من عرف الحق أن يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان.
رابعًا: إرادة الإسهام فى كشف القناع عن أساليب، وحقيقة أعداء السنة، من أهل الأهواء والبدع قديمًا، من الخوارج، والشيعة، والمعتزلة، ومن أحيا فكرهم فى العصر الحديث من المستشرقين، وأذيالهم من دعاة اللادينية من العلمانيين، والبهائيين، والقاديانيين ... فلا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية، ولا يستبين الحق أو الرشد من لم يتبين الباطل أو الغى. كذلك لا ينافح عن الإسلام من لم يعرف أعداءه ومحاربيه، ومن لم يدرس خططهم، وأساليبهم، ولا يقدر على الحرب من لم يتعرف أرض المعركة. وإنها معركة ليست أقل من المعارك الحربية التى خاضها المسلمون، ولا يزالون فى بعض الأماكن.
1 / 9
إن الأخيرة قد استهدفت بالدرجة الأولى الأرض والتراب أما هذه - وهنا مكمن خطورتها- فإنها تستهدف القلب والفكر والوجدان وهى - لعمرى - أعز على الله، وأعز علينا من الأرض والتراب؟ ولا يخالجنا ذرة من شك أن الشراك التى نصبت شرها وكيدها من شبهات ساقطة، وطعون واهية، غير مستندة إلى دليل، ولا قائمة على برهان، وإنما هى مجرد قولٌ قاله، وافتراءٌ افتراه، أناس سادرون فى غيهم، للتشكيك فى حجية السنة، والتنفير من التمسك بها، والاهتداء بهديها، ليتسنى لهم القضاء عليها أولًا، ثم يخلصوا منها للقضاء على القرآن ثانيًا، وبذلك يتحقق لهم من هدم الدين ما ينشدون، وقد أخبرنا الله ﷿ بذلك إذ يقول تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ (١) ولكن وإن سَعَوا ما أمكنهم، فلن يصلوا إلى هدفهم المنشود، وغايتهم المطلوبة، بل سيظلون يتخبطون تخبطًا عشوائيًا فى متاهات مظلمة كثيرة الالتواء صعبة المخرج، إلى أن يموتوا غيظًا وكمدًا وحقدًا؛ لأن الله ﷿ تكفل بحفظ دينه من كل من يريده بسوء، وحفظ أهله من كل من يريدهم بشر، كما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (٢) .
وما شأن شراذم البغى - قديمًا وحديثًا - ومحاولاتهم النيل من السنة المطهرة إلا كشأن من قال عنه الأعشى بن قيس:
كناطح صخرة يومًا ليوهنها ... *** ... فلم يضرها وأوهى قرَنهُ الوعَلُ
وهم ببغيهم وقالتهم الكاذبة، إنما يظلمون أنفسهم ودينهم، قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (٣) .
_________
(١) جزء من الآية ٢١٧ من سورة البقرة.
(٢) الآيتان ٣٢، ٣٣ من سورة التوبة.
(٣) جزء من الآية ٢٢٧ من سورة الشعراء.
1 / 10
خطة البحث:
نظرًا لتعدد جوانب الموضوع وتشعبها، وكثرة الشُبه وتداخلها، فقد تنوعت مصادره، مما حتم علىَّ مطالعة العديد من الكتب فى أنواع العلوم المختلفة، وتجميع المادة العلمية من مظانها، يستوى فى ذلك كتب الهجوم على السنة المطهرة، أو كتب الدفاع عنها، مما أدى إلى استنفاد جهد، ووقت ليس بالقليل. ولكن أحمد الله ﷿ الذى أعاننى على ذلك.
وقد قسمت هذا الموضوع إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة:
أما المقدمة فقد ضمنتها: سبب اختيار الموضوع، وأهميته، وخطة البحث ومنهج البحث فيه.
أما التمهيد ففيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: كلمة فى الاصطلاح.معرفة الفوارق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية.
المبحث الثانى: التعريف بالسنة فى مصطلح علمائها. وتحته ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف "بالسنة" و"الحديث" فى اللغة.
المطلب الثانى: التعريف "بالسنة" و"الحديث" فى الاصطلاح.
المطلب الثالث: شبهة حول التسمية والرد عليها.
المبحث الثالث: الحديث النبوى بالسند المتصل من خصائص الأمة الإسلامية.
المبحث الرابع: الحديث النبوى تاريخ الإسلام.
المبحث الخامس: دراسة الحديث ضرورة لازمة لطالب العلم.
أما الأبواب فهى:
الباب الأول: التعريف بأعداء السنة النبوية، وفيه تمهيد وأربعة فصول:
التمهيد: وفيه التعريف بأعداء لغةً وشرعًا.
الفصل الأول: أعداء السنة النبوية من أهل الأهواء والبدع قديمًا (الخوارج، والشيعة، والمعتزلة)
الفصل الثانى: أعداء السنة النبوية من المستشرقين.
الفصل الثالث: أعداء السنة النبوية من أهل الأهواء والبدع حديثًا (العلمانية، والبهائية، والقاديانية) .
الفصل الرابع: أهداف أعداء الإسلام قديمًا وحديثًا فى الكيد للسنة النبوية المطهرة.
الباب الثانى: وسائل أعداء السنة قديمًا وحديثًا فى الكيد للسنة النبوية المطهرة ويشتمل على ستة فصول:
الفصل الأول: شبهات حول حجية السنة النبوية.
1 / 11
الفصل الثانى: وسيلتهم فى التشكيك فى حجية خبر الآحاد.
الفصل الثالث: وسيلتهم فى الطعن فى رواة السنة المطهرة.
الفصل الرابع: وسيلتهم فى الطعن فى الإسناد وعلوم الحديث.
الفصل الخامس: وسيلتهم فى الطعن والتشكيك فى كتب السنة المطهرة.
الفصل السادس: وسيلتهم فى الاعتماد على مصادر غير معتبرة فى التأريخ للسنة ورواتها.
الباب الثالث: نماذج من الأحاديث الصحيحة المطعون فيها والجواب عنها. ويشتمل على تمهيد وعشرة فصول:
التمهيد ويتضمن بيان:
أ- طبيعة نقد الأحاديث الصحيحة عند أعدائها.
ب- طبيعة الأحاديث الصحيحة المطعون فيها.
الفصل الأول: حديث "إنما الأعمال بالنيات".
الفصل الثانى: حديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف".
الفصل الثالث: أحاديث "رؤية الله ﷿" و"محاجة آدم موسى ﵉" و"الشفاعة".
الفصل الرابع: أحاديث "ظهور المهدى" و"خروج الدجال" و"نزول المسيح ﵇".
الفصل الخامس: حديث عذاب القبر ونعيمه.
الفصل السادس: أحاديث "خلوة النبىصلى الله عليه وسلم. بامرأة من الأنصار"، و"نوم النبى ﷺ. عند أم سليم، وأم حَرَام"، وحديث "سحر النبى ﷺ.":
الفصل السابع: حديث رضاعة الكبير، شبهات الطاعنين فيه والرد عليها.
الفصل الثامن: حديث وقوع الذباب فى الإناء.
الفصل التاسع: ثمرات ونتائج الحديث الصحيح.
الفصل العاشر: مضار رد الأحاديث النبوية الصحيحة.
الخاتمة: وفيها نتائج هذه الدراسة، ومقترحات، وتوصيات، والفهارس العلمية للبحث.
هذا ولم أتعرض لتحرير مبحث أو مطلب إلا بعد أن رجعت إلى ما أمكننى الإطلاع عليه: من الكتب المؤلفة فيه كبيرها وصغيرها: فقد يوجد فى الصغير، مالا يوجد فى الكبير، ويستوى فى ذلك كتب الهجوم على السنة أو الدفاع عنها.
1 / 12
ولم أكتب شيئًا إلا بعد أن اعتقد صحته، واطمئن إليه، غير متأثر برأى أحد -ممن كتب فيه- كائنًا من كان، معاصرًا أو غير معاصر، ولم أتردد فى مخالفته متى تبين لى أنه قد اخطأ، مع بيان وجهة نظرى فى ذلك، ومع احترامى له، واعترافى بفضله، وتقديرى لعلمه، واعتقادى أنه "صاحب آيات، وسباق غايات".
وقد يؤخذ علىّ: أنى قد أطلت فى بعض المباحث، أو كررت بعض العبارات، أو أظهرت فى محل إضمار، أو غير ذلك. ولكنى قصدت بهذا كله: توفية البحث حقه، وإتمام الفائدة، وزيادة الإيضاح، وعدم وقوع الناظر فى اللبس.
وإذا كانت الدراسة الموضوعية الصادقة هى تلك التى تعتمد على النصوص والوثائق فقد التزمت في هذا الكتاب -إلى حد كبير- بإيرادها كشواهد ودلائل على ما عالجته من فكر ومبادئ ...
منهجى فى البحث:
١- كل ما عرضته فى الكتاب من شبه ومطاعن أهل الزيغ والهوى قديمًا وحديثًا، المتضمنة الطعن فى السنة النبوية المطهرة، فإنى قرنت ذلك بالرد الحاسم الذى يبين بطلان وزيف تلك الشُبه والمطاعن معتمدًا فى ذلك على نقول من كتب أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا، فعالجت الفكرة بالفكرة ووضحت قول الإمام بقول إمام آخر، فإن كان من جهد فى هذا الكتاب فإنما هو ثمرة الوقوف على أكتاف العلماء، ونتاج المربين الذين ربونا صغارًا، وحملونا كبارًا، والمنة لله وحده، وهو ولى الجزاء وشكر الله للعلماء بذلهم.
٢- بينت مواضع الآيات التى وردت فى الكتاب بذكر اسم السورة ورقم الآية فى الهامش، مع وضع الآية بين قوسين.
1 / 13
٣- عزوت الأحاديث التى أوردتها فى الكتاب إلى مصادرها الأصلية من كتب السنة المعتمدة، فإن كان الحديث فى الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، بذكر اسم الكتاب، واسم الباب، وذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث مع البيان غالبًا لدرجة الحديث من خلال أقوال أهل العلم بالحديث، إن كان الحديث من غير الصحيحين، واقتصرت على التخريج من كتب السنن الأربعة إذا كان الحديث فى غير الصحيحين، وفيما عدا ذلك اقتصر على ما يفيد ثبوت الحديث أو رده.
٤- اعتمدت فى التخريج من الصحيحين على طبعتى البخارى (بشرح فتح البارى) لابن حجر، والمنهاج شرح مسلم للنووى، لصحة متون الأحاديث فى الشرحين، ولصحة عرضهما على أصول الصحيحين، وتسهيلًا للقارئ لكثرة تداول تلك الشروح، وإتمامًا للفائدة بالاطلاع على فقه الحديث المخرج.
٥- التزمت عند النقل من أى مرجع، أو الاستفادة منه الإشارة إلى رقم جزئه وصفحته بالإضافة إلى ذكر طبعات المراجع فى الفهرست.
٦- عند النقل من فتح البارى، أو المنهاج شرح مسلم للنووى أذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الحديث الوارد فيه الكلام المنقول، تيسيرًا للوصول إلى الكلام المنقول، نظرًا لاختلاف رقم الصفحات تبعًا للطبعات المتعددة.
٧- اكتفيت فى تراجم الأعلام من الصحابة بذكر مصادر تراجمهم بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة، ولم أترجم لهم لعدالتهم جميعًا، ولم أخالف فى ذلك إلا فى القليل عندما تقتضى الترجمة الدفاع ضد شبهة.
٨- ترجمت لكثير من الأعلام الذين جرى نقل شيء من كلامهم، مع ذكر مصادر تراجمهم، بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة.
٩- شرحت المفردات الغريبة التى وردت فى بعض الأحاديث مستعينًا فى ذلك بكتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة، وشروح الحديث.
ثم ختمت الكتاب بفهارس سبعة هى:
١- فهرس الآيات القرآنية.
٢- فهرس الأحاديث والآثار.
٣- فهرس الأعلام المترجم لهم.
٤- فهرس الأشعار.
٥- فهرس القبائل والبلدان والفرق.
1 / 14
٦- فهرس المصادر والمراجع.
٧- فهرس الموضوعات التى اشتمل عليها الكتاب.
هذا وإنى -يعلم الله- ما فرطت ولا توانيت ولا كان منى ميل إلى كسل أو ركون إلى راحة، فإن فاتنى شئ فى أثناء الكتابة، أو لم أذكر أمرًا كان ينبغى ذكره، أو طرأ علىَّ سهو أو نسيان، فهذا لأن عمل الإنسان لا يخلوا من نقص مهما كانت عنايته. وعذرى فى ذلك أن الكمال المطلق لله ﷿.
فما كان فى الكتاب من صوابٍ، فهو من الله ﷿ وبتوفيقه، وما كان من خطأ فمن نفسى، ومن الشيطان، والله برىء منه ورسوله، ولله وحده الكمال والعزة والجلال.
وفى الختام: أحمد الله ﷾ على عونه وتوفيقه لإتمام هذا الكتاب حيث سهل لى صعبه، وذلل أمامى عقباته، وإنى لأرى لزامًا علىّ أن أسجل هنا وافر شكرى، وعظيم تقديرى، وصادق دعواتى لفضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور إسماعيل عبد الخالق الدفتار، الذى أحاطنى بنصائحه، وتوجيهاته السديدة، وإرشاداته العديدة، حتى خرج هذا الكتاب إلى حيز الوجود، فاسأل الله ﷿ أن يبارك فى دينه، وبدنه، وأهله، وولده، وأن يجزيه عنى وعن الإسلام خير الجزاء.
ولا يفوتنى فى هذا المقام أن أقدم شكرى أيضًا: لكل من أفادنى من مشايخى وزملائى بكتاب، أو إرشاد، أو أى نوع من المساعدة ...
اللهم تقبل هذا العمل خالصًا لوجهك الكريم.اللهم اجعلنى جندًا من جنود كتابك، جندًا من جنود سنة نبيك ﷺ.، اللهم لا تعذب لسانًا يخبر عنك، ولا عينًا تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدمًا تمشى إلى خدمتك، ولا يدًا تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلنى النار، فقد علم أهلها أنى كنت أذب عن دينك. اللهم آمين،
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا ومولانا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الراجى عفو ربه الغفور
عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى
1 / 15
تمهيد وفيه خمسة مباحث:
١- المبحث الأول: كلمة فى الاصطلاح. معرفة الفوارق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية.
٢- المبحث الثانى: التعريف بالسنة فى مصطلح علمائها.
٣- المبحث الثالث: الحديث النبوى بالسند المتصل من خصائص الأمة الإسلامية
٤- المبحث الرابع: الحديث النبوى تاريخ الإسلام.
٥- المبحث الخامس: دراسة الحديث ضرورة لازمة لطالب العلم.
1 / 16
المبحث الأول:كلمة فى الاصطلاح
معرفة الفوارق بين المعانى اللغوية والمعانى الاصطلاحية
معرفة الفوارق بين المعانى فى اللغة وبينها فى الاصطلاح مبحث فى غاية الأهمية، لا سيما وقد ظهر الخلط بين هذه المعانى عند أعداء الإسلام والسنة المطهرة فى هجومهم على السنة، فهم لا يكادون يهتمون بمعرفة تلك الفروق، إما عن جهل يجرهم إلى اسوأ الأحكام وأتعس النتائج بإنكار حجية السنة المطهرة، وإما عن علم متعمد لا يهتمون ولا يبينون الفوارق بين المعانى فى اللغة وبينها فى الاصطلاح بقصد تضليل القارئ وتشكيكه فى حجية السنة المطهرة ومصدريتها التشريعية (١) .
يقول أبو هلال العسكرى (٢) فى كتابه (الفروق فى اللغة):
"الفرق بين الاسم العرفى والاسم الشرعى: أن الاسم الشرعى ما نقل عن أصله فى اللغة فسمى به فعل أو حكم حدث فى الشرع نحو الصلاة والزكاة والصوم والكفر والإيمان والإسلام وما يقرب من ذلك، وكانت هذه أسماء تجرى قبل الشرع على أشياء، ثم جرت فى الشرع على أشياء أخر، وكثر استعمالها حتى صارت حقيقة فيها، وصار استعمالها على الأصل مجازًا، ألا ترى أن استعمال (الصلاة) اليوم فى الدعاء مجاز، وكان هو الأصل. والاسم العرفى ما نقل عن بابه بعرف الاستعمال نحو قولنا (دابة) وذلك أنه قد صار فى العرف اسمًا لبعض ما يدب وكان فى الأصل اسمًا لجميعه.
وعند الفقهاء أنه إذا ورد عن الله تعالى خطاب قد وقع فى اللغة لشئ واستعمل فى العرف لغيره، ووضع فى الشرع لآخر، فالواجب حمله على ما وضع فى الشرع؛ لأن ما وضع له فى اللغة قد انتقل عنه، وهو الأصل فيما استعمل فيه بالعرف أولى بذلك وإن كان الخطاب فى العرف لشئ وفى اللغة بخلافه وجب حمله على العرف، لأنه أولى، كما أن اللفظ الشرعى يحمله على ما عدل عنه، وإذا حصل الكلام مستعملًا فى الشريعة أولى على ما ذكر قبل،
_________
(١) ضوابط الرواية عند المحدثين للأستاذ الصديق بشير نصر ص ٢٥ بتصرف، وانظر السنة فى مواجهة أعدائها للدكتور طه حبيشى ص ٢٣ وما بعدها.
(٢) أبو هلال العسكرى: هو الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكرى، لغوى، مفسر، شاعر، أديب. من مصنفاته لحن الخاصة، والتخليص فى اللغة، والفروق، والمحاسن فى تفسير القرآن، توفى بعد سنة ٣٩٥هـ. له ترجمة فى: طبقات المفسرين للسيوطى، ص ٣٣ رقم ٢٩، وطبقات المفسرين للداودى ١ /١٣٨ رقم ١٣١، ومعجم الأدباء للسيوطى ٣ /١٣٥، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة ٣ /٢٤٠.
1 / 17
وجميع أسماء الشرع تحتاج إلى بيان نحو قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاة﴾ (١) إذ قد عرف بدليل أنه أريد بها غير ما وضعت له فى اللغة، وذلك على ضربين أحدهما يراد به ما لم يوضع له البتة نحو الصلاة والزكاة، والثانى يراد به ما وضع له فى اللغة لكنه قد جعل اسمًا فى الشرع لما يقع منه على وجه مخصوص، أو يبلغ حدًا مخصوصًا فصار كأنه مستعمل فى غير ما وضع له وذلك نحو الصيام والوضوء وما شاكله" (٢) .
فاللكلمة إذن معنيان، معنى لغوى، ومعنى شرعى، أى دلالة لغوية ودلالة اصطلاحية، وقد يكون المعنى الاصطلاحى بعيدًا عن المعنى اللغوى، بل قد تكون الكلمة لها أكثر من معنى فى اللغة وأكثر من معنى فى الاصطلاح ككلمة "السنة" مثلًا. فهى فضلًا عن معانيها اللغوية المتعددة، والتى سيأتى ذكرها، لها أكثر من معنى اصطلاحى عند المحدثين، والفقهاء، والأصوليين كما سيأتى.
فالذى لا يعرف هذه الفوارق الاصطلاحية لا شك واقع فى الخطأ، وسوف يضل ضلالًا مبينًا، وهذه الفوارق استغلها أعداء الإسلام والسنة المطهرة استغلالًا بشعًا ينبئ عن حقدهم الدفين على الإسلام وأهله، فنراهم فى هجومهم على السنة المطهرة يركزون على بعض معانيها اللغوية أو الاصطلاحية مهملين عن جهل تارةً، وعن علم تارة أخرى باقى معانيها الاصطلاحية بغية الوصول إلى هدفهم وغايتهم من التشكيك فى حجيتها وعدم العمل بها ومن ذلك تركيزهم على معنى السنة فى اصطلاح الفقهاء وهى ما ليس بواجب مما يمدح فاعلها ولا يذم تاركها (٣) . وهذا التعميم فى تعريف السنة محض الضلال (٤)، إذ فيه صرف لهذه الكلمة عن معناها الاصطلاحى عند رجال الأصول وعلى أنها مصدر تشريعى مستقل ملازم للقرآن الكريم فى الاحتجاج،
_________
(١) جزء من الآية ٤٣ من سورة البقرة.
(٢) الفروق فى اللغة ص ٥٦.
(٣) البحر المحيط للزركشى ١ /٢٨٤، وإرشاد الفحول للشوكانى ١ /١٥٥، وأصول الفقه للشيخ محمد الخضرى ص ٥٤، وأصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص ١١١.
(٤) انظر تعميم محمود أبو ريه لذلك فى أضواء على السنة ص ٣٨.
1 / 18
وأن الأحكام التكليفية الخمسة تدور فيها، كما تدور فى القرآن الكريم بالتمام (١) .
ومن المعانى اللغوية التى يركز عليها أعداء الإسلام فى تعريفهم بالسنة معناها الوارد بمعنى الطريقة والسيرة، حسنة كانت أو سيئة، ويعبرون عن ذلك المعنى بالعادة والعرف كما قال المستشرق "جولد تسيهر" (٢): "السنة هى جماع العادات والتقاليد الوراثية فى المجتمع العربى الجاهلى؛ فنقلت إلى الإسلام، فأصابها تعديل جوهرى عند انتقالها، ثم أنشأ المسلمون من المأثور من المذاهب والأقوال والأفعال والعادات لأقدم جيل من أجيال المسلمين سنة جديدة" (٣) . وتابعه على ذلك سائر من جاء بعده من المستشرقين (٤) .
وردد هذا الكلام الدكتور على حسن عبد القادر (٥) فى كتابه "نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى" فقال: "وكان معنى السنة موجودًا فى الأوساط العربية قديمًا، ويراد به الطريق الصحيح فى الحياة للفرد وللجماعة، ولم يخترع المسلمون هذا المعنى، بل كان معروفًا فى الجاهلية، وكان يسمى عندهم سنة هذه التقاليد العربية وما وافق عادة الأسلاف. وقد بقى هذا المعنى فى الإسلام فى المدارس القديمة فى الحجاز، وفى العراق أيضًا، بهذا المعنى العام يعنى العمل القائم، والأمر المجتمع عليه فى الأوساط الإسلامية والمثل الأعلى للسلوك الصحيح من غير أن يختص ذلك بسنة النبى ﷺ.
_________
(١) ضوابط الرواية عند المحدثين ص ٢٥، ٢٦ بتصرف.
(٢) جولد تسيهر: مستشرق مجرى يهودى، رحل إلى سورية وفلسطين ومصر، ولازم بعض علماء الأزهر. له تصانيف باللغات الألمانية والإنكليزية والفرنسية. ترجم بعضها إلى العربية، قال الدكتور السباعى: "عرف بعدائه للإسلام وبخطورة كتاباته عنه، ومن محررى دائرة المعارف الإسلامية" كتب عن القرآن والحديث، ومن كتبه: "تاريخ مذاهب النتفسير الإسلامى" و"العقيدة والشريعة فى الإسلام" و"فضائح الباطنية" وغير ذلك مات سنة ١٩٢١م له ترجمة فى: الأعلام للزركلى ١ /٢٨٤، والاستشراق للدكتور/ للسباعى ص ٣١-٣٢، وأراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره للدكتور عمر إبراهيم ١ /١٦١ - ١٦٢.
(٣) العقيدة والشريعة فى الإسلام ص ٤٩، ٢٥١.
(٤) دائرة المعارف الإسلامية ٧ /٣٣٠، وانظر دراسات فى الحديث للدكتور الأعظمى ١ /٥-١١، ومنهجية جمع السنة وجمع الأناجيل للدكتورة عزية على طه ص ٦٢، ١٢٢، ١٢٣.
(٥) على حسن عبد القادر: أستاذ تاريخ التشريع الإسلامى، حاصل على العالمية فى الفلسفة من ألمانيا، ومجاز من كلية أصول الدين فى قسم التاريخ، وعميد كلية الشريعة بالأزهر الشريف سابقًا، من مؤلفاته: نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى.
1 / 19
وأخيرًا حدد هذا المعنى، وجعلت السنة مقصورة على سنة الرسول ﷺ. ويرجع هذا التحديد إلى أواخر القرن الثانى الهجرى، بسبب طريقة الإمام الشافعى التى خالف بها الاصطلاح القديم (١) .
وأقول: نعم، لفظ السنة ومعناها كان معروفًا فى لغة العرب قبل الإسلام ولم يخترع المسلمون هذه الكلمة ولا معناها، ولكن ليس الأمر كما زعم المستشرقون والدكتور على حسن عبد القادر من أن معنى السنة فى صدر الإسلام العادة والعرف (٢) الجاهلى، أو أنها الطريق الصحيح فقط، وإنما تشمل الطريق الصحيح وغير الصحيح على رأى جمهور علماء اللغة، ويؤيدهم فى الإطلاق القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والأشعار الجاهلية على ما سيأتى.
كما أن استعمال القرآن الكريم والسنة المطهرة لكلمة السنة بالمعنى اللغوى لا يعنى ذلك أن هذا المعنى اللغوى (الطريقة) أو (السيرة) أو (العادة) هو المراد شرعًا بالسنة، فهذه الكلمة انتقلت من معناها اللغوى إلى المعنى الاصطلاحى (سنة رسول الله ﷺ. الشاملة لأقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلْقِية والخُلُقِية ...) وهى بهذا المعنى مصدر تشريعى ملازم للقرآن الكريم لا ينفك أحدهما عن الآخر.
وهذا المعنى الاصطلاحى لكلمة السنة كان محددًا ومعلومًا فى صدر الإسلام والنبى ﷺ. بين ظهرانى أصحابه (٣) ﵃، وليس الأمر كما زعم الدكتور حسن تابعًا للمستشرقين أن هذا المعنى الاصطلاحى للسنة تحدد فى آواخر القرن الثانى الهجرى....
ومن المعانى اللغوية التى يركز عليها أعداء الإسلام فى تعريفهم بالسنة معناها الوارد بمعنى الطريقة، ثم يعرفون السنة النبوية؛ بأنها الطريقة العملية أو السنة العملية، أما أقواله وتقريراته وصفاته ﷺ. فليست من السنة، وإطلاق لفظ حديث أو سنة على ذلك إنما هو فى نظرهم اصطلاح مستحدث من المحدثين ولا تعرفه اللغة ولا يستعمل فى أدبها،
_________
(١) نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى ص ١٢٢، ١٢٣.
(٢) يصح تعريف السنة بالعادة والعرف، ولكن المراد بالعادة فى هذه الحالة عادة الرسول ﷺ. أى ما عمله أو أقره أو رآه فلم ينكره، وهى فى هذه الحالة من الدين. كما تطلق أيضًا على السيرة العملية لحياة الصحابة ﵃ ولا تعنى العادة والعرف السائد فى الجاهلية كما يوهمه كلام جولد تسيهر ومن قال بقوله انظر: حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص٤٩-٥١، والمدخل إلى السنة النبوية لأستاذنا الفاضل الدكتور عبد المهدى عبد القادر ص٢٥،٢٦.
(٣) ستأتى الأحاديث التى تشهد بذلك انظر: ص ٤٣، ٤٤، ٤٥.
1 / 20