وأبي نواس، ولا منهاج أشجع والخُرَيمي، ولو ادّعيته فإنما كنتَ تخادع نفسك، أو تُباهِت عقلك، وإنما أنت أحد رجلين: إما أن تدّعي له الصنعة المحضة فتُلحِقه بأبي تمام وتجعله من حِزْبه، أو تدّعي له فيه شركًا وفي الطبع حظًّا، فإن مِلت به نحو الصنعة فضْلَ ميْل صيّرته في جنَبَةِ مسلم، وإن وفّرت قسطه من الطبع عدلت به قليلًا نحو البحتري.
وأنا أرى لك إذا كنت متوخّيًا للعدل، مؤثرًا للإنصاف أن تقسّم شعره؛ فتجعله في الصدر الأول تابعًا لأبي تمام، وفيما بعده واسطة بينه وبين مسلم.
وما أكثر مَنْ ترى وتسمع من حفّاظ اللغة ومن جِلّة الرواة، من يلهج بسبب المتأخرين؛ فإن أحدهم يُنشد البيت فيستحسِنه ويستجيده، ويعجَب منه ويختاره؛ فإذا نُسب الى بعض أهل عصره وشعراء زمانه كذّب نفسه، ونَقض قوله، ورأى تلك الغضاضة أهون محْمَلًا وأقل مرْزأة من تسليم فضيلة لمُحدَث، والإقرار بالإحسان لمولّد.
حُكي عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي أنه قال: أنشدتُ الأصمعي:
هلْ الى نظرَةٍ إليْكَ سَبيلُ ... فيُبَلّ الصّدَى ويُشْفى الغَليلُ
إنّ ما قلّ منْك يكْثُرُ عندي ... وكثيرٌ ممّنْ تحِبُّ القَليلُ
فقال: والله هذا الدّيباجُ الخُسرَوانيّ، لمنْ تنشدني؟ فقلت: إنهما لليلتهما فقال: لا جَرم والله إنّ أثر التكلّف فيهما ظاهر.
وعن ابن الأعرابي في أبيات أبي تمام في الرّوض نحوٌ من هذا. وله نظائر
1 / 50