وقد يُعدّ فيه التّقفية والترصيع، كقول امرئ القيس:
والماء منهَمِرٌ والشّدُّ منحدِر ... والقُصْبُ مُضطَمِرٌ والمتن ملْحوب
وقد يمتنع بعضُ الأدباء من تسمية بعض ما ذكرناه بديعًا؛ لكنه أحدُ أبواب الصنعة، ومعدود في حلْي الشعر، وله أشْباه تجري مجراه، وتذكر معه؛ كالالتفات والتوصل وغيرهما، ولو أقبلنا على استيعابها، وتمييز ضروبها وأصنافها لاحتجنا الى اتباع كل ما يقتضيه من شاهد وبيان ومثال. ولو فعلنا ذلك لبخسنا أبا الطيب حقه، وافتتحنا الكتاب بذكره ثم شَغلْنا معظَمه بغيره؛ وإنما قدمنا هذا النّبْذ توطئةً لما نذكره على أثره، وتدريجًا الى ما بعده؛ ليكون كالشاهد المقبول قوله، وبمنزلة المسلم أمره.
والشاعر الحاذق يجتهد في تحسين الاستهلال والتخلص وبعدهما الخاتمة؛ فإنها المواقف التي تستعْطِف أسماعَ الحضور، وتستميلهم الى الأصغاء، ولم تكن الأوائل تخصّها بفضْل مراعاة؛ وقد احتذى البُحتري على مثالهم إلا في الاستهلال، فإنه عُني به فاتفقت له فيه محاسن؛ فأما أبو تمام والمتنبي فقد ذهبا في التخلص كلَّ مذهب، واهتمّا به كل اهتمام، واتفق للمتنبي فيه خاصة ما بلغ المراد، وأحسن وزاد.
1 / 48