وإذا أمكن ضم المارك أيضا إلى بيمونته وتضم فرنسة إلى أملاكها لقاء ذلك إيالة صافويه، أما مدينة نيسي فينظر في أمرها فيما بعد، ونصت الاتفاقية العسكرية التي عقدت في الوقت نفسه على أن تبدأ الحرب بين منتصف نيسان ونهاية تموز، وأن تقدم فرنسة مائتي ألف جندي.
وباغت الإمبراطور وزراءه في أوائل شباط بعزمه على إصدار بيان بشأن القضية الإيطالية، ثم صدر البيان في صورة رسالة بعنوان: «نابليون الثالث وإيطالية»، أوضح فيها الإمبراطور آراءه في القضية الإيطالية، أما النقاط الواردة فيه فتدور حول تطمين الشعور القومي الإيطالي، ونشل البابا من موقفه الحالي بتنفيذ خطة الاتحاد الإيطالي.
وأشارت الرسالة إلى أن الوحدة الإيطالية غير ممكنة، وأن نابولي وطوسكانه يجب أن تحتفظا بعرشيهما، وأن تقسم إيطالية إلى ثلاثة أقسام تقسيما يتم على حساب النمسة والبابا، ويقول البيان بأن روما يجب أن تصبح عاصمة الاتحاد على أن تترك المدينة للبابا مع إعادة إصلاح الحكومة ويكون لها جيش تجنده البلاد، ومن ثم تنسحب الحامية الإفرنسية، وأظهرت الرسالة بأن النمسة المانع الأصلي للإصلاحات في روما وأنها ضد كل مشروع اتحادي ونوهت بأن فرنسة إذا ما وقعت في الحرب ستحارب في سبيل روما «أم الأمم».
وكان نبأ حديث الإمبراطور للسفير النمسوي وخطاب العرش قد أضرم النار في إيطالية، فاشتدت الحماسة في نفوس أهلها وتضاعف نشاط جميع الوطنيين وانهارت جميع الشكوك التي كانت تساور النفوس في إخلاص كافور وترتاب في أي حلف أجنبي لا يثق بمساعدة الإمبراطور، وأدرك الناس أن خطاب الملك قيد الملك في خوض غمار حرب قريبة الوقوع، وكان من قوة تأثيره أن انحاز بقية الجمهوريين إلى جانب الحكومة البيمونتية.
ومع أن الجمعية القومية كانت قد أمالت قسما كبيرا من الجمهوريين إلى جانبها، فإن فئة قوية من الجمهوريين كانت لا تزال في جنوة تتردد بين غاريبالدي ومازيني، فعزم مديجي ونينومديكسو وبرتاني - وسيلعب هؤلاء الثلاثة دورا خطيرا في المعركة القادمة - على مساعدة حكومة بيمونته مساعدة فعالة، أما مدينة جنوة التي كانت لا تزال منقسمة بين الإكليريكيين والجمهوريين الذين عارضوا سياسة كافور، فقد انتهى بها الأمر إلى تأييد كافور والملك، أما مازيني فرفض بأن يؤيد سياسة التحالف مع فرنسة أو أية سياسة لا تستهدف الوحدة وظل في عزلته .
ودلت حماسة المتطوعين على قوة الشعور القومي الكامن في النفوس، وقد تفاهم كافور مع غاريبالدي على تنظيم قوة من المتطوعين إلا أن السنة مضت دون الحصول على نتيجة مجدية، وبدأت حركة التطوع بهروب المجندين اللمبارديين في شهر شباط، وكان لقانون التجنيد الجديد الذي استغلته الجمعية القومية تأثير نافذ في هذا الهروب وعلى الرغم من جميع التدابير التي اتخذتها السلطات النمسوية فإنها لم تستطع أن تحول دونه.
أما حكومة بيمونته فرحبت بالهاربين، ودلت بذلك على أنها مقدمة على الحرب، وامتدت حركة التطوع إلى الدول الأخرى وأصبح الذهاب إلى بيمونته محك الوطنية، وأخذ الفتيان مع جميع أنحاء إيطالية يجتازون حدود بيمونته بالمئات، وكانت الحكومات الإيطالية ترى ذلك ثم لا تنبس ببنت شفة، وكان هؤلاء المتطوعون يهرعون للتطوع آتين من مودينه وبارمه وطوسكانه والروماني وأرميريه والمارك، حتى إن كتيبة من كتائب البابا هربت بأجمعها، وكادت مناجم الحجارة في كراره تخلو من العمال، وكان المتطوعون في صقلية ونابولي يفرون بقوارب الصيد.
وقد بلغ عدد المتطوعين الذين انضموا إلى الجيش النظامي أو كتائب غاريبالدي قبل نشوب الحرب بين 20 و25 ألف متطوع، وقابل غاريبالدي الملك وأباح له أن يختار ضباطه، وأصبح نشيد غاريبالدي الذي وضعه «لويجي موكانتي» نشيد المارسليز في إيطالية.
وسعى القوميون المعتدلون وقتئذ لحمل الدوق الكبير على الانحياز إلى جانب القضية الوطنية، وكان الهدوء قد خيم على طوسكانه منذ ألغوا الدستور سنة 1852، ومن سنة 1855 أخلت بقية القوة النمسوية البلاد ولم تكن الحكومة على درجة من السوء بحيث يعم الاستياء في البلد وينجم عنه ثورة أو اضطراب، ولم يستطع الأحرار الذين فقدوا الثقة في أنفسهم أن يكتسبوا ثقة الجماهير.
على أن الناس أخذوا تدريجا ينشدون حياة حرة أكثر من قبل، ولا سيما بعد أن توغلت الجمعية القومية في البلاد وأسست فيها حزبا شعبيا قويا يدعو لبيمونته ويغتبط بمشاهدة فيكتور عمانوئيل ملكا على البلاد.
Bilinmeyen sayfa