ولكي يستميل كافور أنصار الحكم الذاتي إليه اجتنب كل سياسة رسمية تستهدف ضم إيطالية الوسطى والجنوبية إلى بيمونته، وسعى إلى استمالة الأمراء إلى القضية القومية بالقضاء على الشكوك التي ولدتها الحركة الإلبرتية سنة 1848.
وبموت مانين في خريف سنة 1857 أصبحت الجمعية القومية تحت سيطرة باللافيجيو وسكرتيره الغيور لافارينا، مع أنها لم تكن أداة بيد كافور، إلا أنها كانت تلبي أوامره في الأزمات، ولما كان موضوع الوحدة دون الاستقلال هو مثار الخلاف؛ فإن شعار الاستقلال حل محل الوحدة الإيطالية، وصدرت الأوامر بإيقاف أي جدل سياسي في نهاية الحرب الاستقلالية، وكانت الجمعية القومية قوية النفوذ في الإيالات النمسوية وفي الدوقيات، وبلغت الحماسة الوطنية والوعي القومي في لمبارديه حدا عظيما، حتى أصبح العمل للحيلولة دون الانفجار من مشاغل الجمعية الصعبة.
أما في الروماني فاتحدت التشكيلات القومية المختلفة بانضمام بعضها إلى البعض الآخر وانبثت لجانها في جميع أنحاء الإيالة، أما في صقلية فكان تفوق الجمعية على الجمهوريين مستمرا، بيد أنها لم تستطع أن تقوم باستعدادت فعلية في نابولي.
واستخدم كافور الجمعية القومية في جمع المتطوعين من جميع أطراف إيطالية، وهو لم يكن يعلق كبير أهمية على استخدام هؤلاء من الوجهة العسكرية، إنما كان يدرك خطورة إرسال أكبر عدد ممكن من هؤلاء إلى ساحة الوغى، وأثر ذلك في منع الإمبراطور من الحصول على جميع أكاليل الانتصار، ولإعطاء بيمونته أقوى صوت فعال في التنظيم الذي يلي الانتصار، فضلا عن أن حركة التطوع قد تدفع النمسة إلى إعلان الحرب، وسار كافور في خطته في إحداث الشغب في ماسة كراره لخلق ذريعة الحرب.
وقد أقر مشروع لافارينا في إعداد الثورة بإرسال غاريبالدي مع المتطوعين لمساعدة الثوار مؤقتا بأن الحركة المذكورة سوف تضطر النمسة إلى اتخاذ تدابير حاسمة، فاستدعى غاريبالدي إلى تورينو وكان يثق وقتئذ بكافور والملك ثقة عمياء، وعهد إليه بالأمر فقبل المهمة التي أنيطت به في شوق ولهفة ورجع مغتبطا بقرب نشوب المعركة.
وعلى الرغم من ذلك كان الكثير من الأحرار لا يزالون مترددين، ويرجح سبب ذلك إلى تقصير كافور في مساعيه السرية، ومع أن المقربين إليه كانوا يعلمون بأن الحرب سوف تنشب في الربيع القادم، إلا أن كافور لم يستطع إقناع الجماهير بنياته.
وكانت لمبارديه تترقب الحرب بفارغ الصبر، وفي المراسم التي جرت في أوائل سنة 1850 فاجأ الإمبراطور السفير النمسوي بقوله بأنه يأسف «لأن العلاقات بين الإمبراطوريتين لم تكن حسنة كما يجب أن تكون.» وكان من تأثير هذا القول أن اشتد التوتر بين فرنسة والنمسة وعدته أوروبا نذيرا بالحرب.
ومع أن كافور فزع لهذا التصرف المبتسر إلا أنه علم بأن مصير بيمونته أصبح في الميزان، فما عليها إلا أن تستغل ذلك التصريح الجريء بمناسبة افتتاح المجلس النيابي في 7 كانون الثاني، كتب كافور خطاب العرش وأشار فيه «إلى أن السنة الجديدة ليست صاحية، تمام الصحو.»
ولما اعترض زملاؤه على هذا القول واعتبروه شديد اللهجة، استشار الإمبراطور فصححه بما هو أشد لهجة؛ إذ أضاف إليه العبارة التالية بدلا من عبارة كافور: «ولا يسع الملك إلا أن يصغى إلى صرخات الاستغاثة الموجهة إليه من أكثر أبناء إيطالية.» ودلت الحماسة البالغة التي تجلت في المجلس وأروقته حين تلاوة ذلك الخطاب على أن تلك الكلمات الجريئة قد أصابت المرمى.
وهكذا اتضح للعالم أجمع بأن الإمبراطور عازم على الحرب في القريب، وكان جواب النمسة على الخطاب أنها أرسلت فيلقا إلى لمبارديه ورغم أن الإمبراطور كان يميل إلى تأجيل المخاصمات إلى أن تتم استعدادت جيشه وتصبح النمسة منعزلة تماما؛ فإنه لم ير بدا من أن يأمر سرا قواته المرابطة في ليون بأن تستعد لاجتياز الألبة، وسافر الأمير نابليون إلى تورينو لطلب يد الأميرة كلوتيلدة، وحين وصول هذا الأمير إلى تورينو عقد الحلف الهجومي بين فرنسة وبيمونته في 18 كانون الثاني، وقضت معاهدة التحالف على أن تنظم في حالة الانتصار إيالتا لمبارديه وفنيسيه والدوقيات والروماني.
Bilinmeyen sayfa