وكان يعتقد أن الإمبراطور قد تحالف مع النمسة لسحق إيطالية، واقتنع بأنه لن تنال إيطالية حريتها إلا إذا انسحب الإمبراطور من الميدان، وفي ذات مساء من شهر كانون الثاني 1858 بينما كان الإمبراطور وزوجته الإمبراطورة يستقلان المركبة نحو الأوبرا ألقيت عليهما ثلاثة قنابل فلم يصابا بأذى، وإنما أصابت القنابل مائة وخمسين رجلا من الجماهير المحتشدة بين قتيل وجريح، تلك هي حادثة أورسيني.
وقد أخذت جرائد باريس عقيب الحادث تصب لعناتها على إنجلترة التي حمت أورسيني، وعلى بيمونته التي أصبحت مخبئا للجناة وقاتلي الملوك، وطالبت الحكومة الفرنسية لندن وتورينو بأن تحد من نشاط اللاجئين وتسكت جرائدهم.
وقد تأزمت الحالة حينا وخشي الأحرار أن يؤدي الحادث إلى فقدان عطف الإمبراطور على إيطالية فأصبح موقف كافور صعبا، وقد حاول قبل حادثة أورسيني كثيرا تهدئة الإمبراطور فطارد المتآمرين من أهل جنوة بشدة وطرد اللاجئين بالمئات، إلا انه لم يشأ أن يهين كرامة بلده بالخضوع إلى رغبات الإمبراطور، فأخذ البعض من أنصار كافور المتحمسين من زملائه يتذمرون، وأبت عليه عزة نفسه وكرامة وطنه أن يذعن.
فلما أرسل الإمبراطور كتابا بخط يده يتوعد فيكتور عمانوئيل؛ أجابه الملك عملا بنصيحة كافور بأنه لا يرضى قط بالضغط عليه، واقتصرت التدابير التي اتخذها كافور على تعديل قانون المطبوعات بحيث صار يخول الحكومة معاقبة من يكتب، محبذا المؤامرة ضد الملوك الأجانب بناء على طلب الحكومة ذات الشأن.
وعلى الرغم من أن لائحة القانون كانت معتدلة فإن أعضاء اليسار لم يتحمسوا إليها، ولكن رتازي أيدها فأقرها المجلس بأكثرية ساحقة.
وما كاد الذعر في باريس يزول حتى أخذ الإمبراطور يعطف على القضية الإيطالية أكثر من قبل كأن حادثة أورسيني دفعته إلى ذلك بدلا من أن تزيد في غضبه؛ ذلك لأنه رغب في استمالة جانب بيمونته في حالة وقوع حرب مع إنجلترة، كما وإن أورسيني قبل إعدامه أرسل إلى الإمبراطور كتابين ناشده فيهما بالدم الإيطالي الذي يجري في عروق الإمبراطور، وأنذره بأن السلم في أوروبا لن يستقر وأن عرشه لن يتوطد ما لم تبلغ إيطالية أمانيها القومية، وكتب له يقول: «أنقذوا إيطالية؛ تنالوا تقديس خمسة وعشرين مليون إيطالي.»
وكان لهذه الاستغاثة تأثير عميق في نفس الإمبراطور، وبعد أن ضحى ببولونيه التي كان يعطف قبلا على آمالها رغبة في التقرب من روسية؛ اشتدت حماسته في تنفيذ الرغبة التي طالما تاقت نفسه إليها لإنقاذ إيطالية وهنغارية، وكان كافور قد جلب رضاء الإمبراطور بالوقوف إلى جانبه في خصومته ضد إنجلترة والنمسة في مسائل ثانوية أثارتها معاهدة باريس، وكان الأمير جيروم نابليون ابن عم الإمبراطور الذي يدير جماعة الأحرار وأعداء الإكليريكيين في بلاط الإمبراطور قد بذل كل نفوذه في وضع أساس حلف إفرنسي-إيطالي.
ودعا الإمبراطور كافور في 20 تموز إلى لقاء في قصر بلومبير خلسة؛ بغية عقد ميثاق نهائي لإنقاذ إيطالية، وأسفر الاجتماع عن توفيق لكافور؛ إذ وعده الإمبراطور بأن يهاجم في الوقت المناسب وأنه سيجهز لذلك مائتي ألف جندي على أن تجهز بيمونته نصف هذا العدد، وكان الإمبراطور قد توقع حياد روسية وإنجلترة في نزاع ينشب بين فرنسة والنمسة، ووعد أن يطلب إلى النمسة بأن تتخلى عن جميع ممتلكاتها في إيطالية، ولم يشأ الإمبراطور أن يمس أراضي البابا.
بيد أن كافور ألح على ذلك فتم التفاهم بينهما حول ضم أراضي الرسالة إلى بيمونته بالإضافة إلى لمبارديه وفنيسيه والدوقيتين ، ومن المحتمل ضم المارك أيضا وبذلك تتأسس في شمال إيطالية دولة ملكية يبلغ نفوسها أحد عشر مليونا، أما طوسكانه وأومبريه فتؤلفان دولة ملكية في وسط إيطالية قد تملكها الأميرة الوصية في بارمه، أما البابا فيحتفظ بروما والكماركة بحماية حامية إفرنسة ويترك فرديناند لرحمة رعيته.
وكان الإمبراطور يفضل بأن يرفض مورات عرش نابولي بعد الثورة التي لا بد من نشوبها في نابولي، ثم تؤلف هذه الدول الأربع الاتحاد الإيطالي، ثم جرى البحث حول مغنم الإمبراطور من هذه المساعدة واشترط الإمبراطور ما يلي:
Bilinmeyen sayfa