إسلام يهودي إسكندراني عند حضوره لصلاة الجمعة
لقد كان مشهد الصلاة من الأسباب المساعدة على دخول رجل يهودي في الإسلام، وإسلام يهودي شيء نادر، أما النصارى فيسلم منهم كثير جدًا، لكن يهودي يسلم فهذه محض هداية من الله ﷾؛ لأن اليهود معروفون بقسوة القلوب، وبعدهم عن أسباب الهداية.
هذا الرجل اليهودي الإسكندراني من يهود الإسكندرية، يحكي عن نفسه فيقول: كنت مريضًا مرضًا شديدًا، فتمثل لي في أثنائه أن هاتفًا يهيب بي أن أعلن إسلامي، ولما دخلت المسجد ورأيت المسلمين مصطفين للصلاة وقوفًا كالملائكة، سمعت في نفسي صوتًا يناديني ويقول: هذه هي الجماعة التي أنبأ بها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
هو يعرف من التوراة أن الأنبياء أنبئوا أنه سوف تأتي أمة تراهم ركعًا سجدًا، ويقفون في صفوف كالملائكة إلى آخره، فأخبر عن هذه الأمة المحمدية قبل أن توجد في الكتب السابقة.
ثم قال: ولما رأيت الخطيب يتقدم للخطبة وعليه رداء أسود، وقع في نفسي وجدان الرهبة والخشية، ولما ختم خطبته بالآية الكريمة التي يقول الله ﵎ فيها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:٩٠]، وهذه الآية يقولها كثير من الخطباء في نهاية خطبة الجمعة، وسبب ذلك أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى لما كان بعض الخطباء من قبله يسبون عليًا ﵁ ويسبون بعض الصحابة، أراد أن يبطل عادة السب، واستبدلها بتذكير الناس بهذه الآية الكريمة في آخر الخطبة، والله تعالى أعلم.
يقول: وأقيمت بعد ذلك الصلاة، فآنست من نفسي أنها سمت سموًا كبيرًا، فقد بدت لي صفوف المسلمين كأنها صفوف الملائكة.
هو لا يعرف قول النبي ﷺ لأصحابه: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ يتمون الصف الأول فالأول، ويتراصون في الصف).
رواه البخاري.
ثم يقول: فقد بدت لي صفوف المسلمين كأنها صفوف الملائكة، وأن الله سبحانه قد تجلى عليهم في ركوعهم وسجودهم، وسمعت في نفسي مناديًا يناديني بقوله: إن الله سبحانه إذا كان قد خاطب شعب إسرائيل مرتين في جميع القرون الخالية، فلا جرم أنه يخاطب هذه الجماعة -يعني: أمة المسلمين- في كل وقت من أوقات صلاتها، واقتنعت في نفسي بأني ما خلقت إلا لكي أكون مسلمًا.
وأي إنسان عاقل يتدبر صلاة المسلمين، سيعلم أنه لا يمكن أن يعبد الله ﷾ بأكمل ولا أعظم من هذه الصورة التي يعبد بها ويعظم في الصلاة، فإذا نظرت إلى منظر المسلمين لاسيما بالمشهد (البانورامي) الذي يكون من الطائرة أو من أماكن عالية في الحرم المكي الشريف، ورأيت منظر المسلمين والتفافهم حول الكعبة المشرفة والخشوع والرهبة والهيبة والطواف حول الكعبة الذي لا ينقطع ليل نهار على الإطلاق، إلا في أثناء الصلوات المفروضة؛ لعلمت أنه لا يوجد مكان على وجه الأرض أبدًا يعظم فيه الله كما يعظم في هذا المكان، ولا يمكن أن يعبد الله ﷾ بأحسن مما يعبد في الصلاة.
فالصلاة نعمة من الله ﷾، لكن المصيبة عندما تتحول هذه النعمة إلى عادة، فيحرم المرء من التلذذ بهذه النعمة؛ بسبب الإلف وطول مؤانسته لها، في حين المحروم منها هو الذي يحس بطيبتها، فنحن المسلمين أولى بأن نستشعر هذه النعمة وأن نقبل على الصلاة، حتى لو كانت الصلاة غير مفروضة، فنهرع إليها لما فيها من هذه الفضائل وهذه البركة.
وهذا الرجل اليهودي لم يسلم إلا بسبب مشهد الصلاة، وحق له ذلك.
8 / 5