وهذه القيود الحديدية والأصفاد الثقيلة لم تترك للأمم الآسيوية من فرصة للخلاص. ولقد كانت هذه العقلية بمثابة تجربة حاول واضعوها أن يعرفوا إن كانت بذاتها وسيلة ناجعة للقضاء على الحياة وعلى الإنسانية. ولا مرية في أنها قطعت كل علاقة كائنة بين الناس والحياة الدنيا (ص19).
ولما كانت علاقة الإنسان بهذه الحياة متينة، وأواصره بها لا تفصم، لم يكن هناك من سبيل لكي تعيش هذه العقلية وتحيا إلا بأن يقتل العقل الإنساني ويلغى من هذا الوجود. ولولا هذا لظهر سريعا أن الشرائع المنزلة لا تتفق وحقائق هذه الحياة؛ لهذا لم يتوان مشيدو العقلية الآسيوية وواضعو قواعدها، عن أن يجعلوا أساسها الاعتقاد بأن الحق في هذه الحياة تقليدي لا عقلي. ولكن نتساءل ما هي التقاليد؟ ولماذا لا يكون لدينا من الحرية ما نستطيع به أن ننظر في هذه التقاليد نظرة تحليل نحكم فيها العقل؟ تلك التقاليد التي لم تسم بنا يوما إلى أفق السعادة والحرية والثروة ومعرفة حقيقة الإنسانية، بل كثيرا ما عضدت أسباب التعاسة والشقاء، وقوت جذور شجرة الاستبداد التي تمتع بثمراتها الرئيس الروحي خلال كل الأزمان. وبما أن هذه التقاليد لم توضع إلا لتطبق على الإنسان عمليا؛ فإن العقل الإنساني يحس ضرورة بأنه مقسور على أن يبحث في أصلها ونشأتها وماهيتها؛ ليعرف إن كانت التقاليد سموما قاتلة، أم إنها عقاقير لقمان السحرية (ص19).
إن من أبلغ السفسطة أن تقول بأن العقل الإنساني لا يستطيع أن يدرك الحقيقة. إن كل الذين أوصلوا إلينا هذه التقاليد وبثوها في نفوسنا، قد اتخذوا العقل الإنساني وسيلة لبثها. وما هذه التقاليد لدى الواقع إلا مجموعة من السخف لا يمكن أن تقاوم قوة النقد ساعة واحدة. «لم يكن في مستطاع أحد من ناقلي هذه التقاليد (الأنبياء )، أن يوحي إلينا برسالة تساعدنا على اختراع آلة من الآلات، أو استكشاف الكهربائية أو البواخر، أو الطيارات، أو التلفون اللاسلكي، أو مبادئ الطب، التي تساعدنا على مقاومة داء السرطان أو السل أو غيرهما من الأمراض. ولقد ثبت في روعنا اليوم أن ما يجب أن يوحى إلينا به من العالم المجهول إنما ينحصر في مثل هذه العلوم لخير الإنسان والإنسانية.» «إذا قلبت تاريخ آسيا برمته منذ أبعد العصور إلى اليوم، لما استطعت أن تلتقي في سفرك الطويل، بقديس واحد من أولئك القديسين الذين اتخذوا العلم للقداسة طريقا. في حين أن تاريخ الدنيا يفيض بذكر الكثيرين ممن هم من هذا الطابع الخالد، أولئك الذين استكشفوا الحق وعرفوا الحقيقة، أولئك الذين آمنوا بأن الحق عقلي لا تقليدي، لا الذين ظلوا طوال الأعصر ينتظرون الوصول إلى الحق من طريق التقليد. ولا شبهة في أن رجال آسيا، وهذه عقليتهم، لا يستطيعون أن يدركوا من الحقيقة شيئا» (ص20). «نتساءل لماذا لم يكن في مقدور المذاهب الإسلامية أن تنقذ الإمبراطوريات الإسلامية التي سقطت على التوالي، وأخصها الإمبراطورية التركية مثلا؟ والجواب أن ليس لهذا من سبب، إلا أن عقليتها قد عكفت على الاعتقاد بأن الحق تقليدي صرف، أما العلم اليقيني الحديث، فيعتبر أن هذه العقلية سم قاتل؛ لأنها بعد أن تحتكم في الفرد، وتستقل بوجدانه وتبعده عن التفكير في أمر نفسه، يكون في مستطاعها أن تجعله يعتقد بصحة أية من الأحكام الدينية فيما يتعلق بحياة الأسرة أو نظام الحكومة. وهذه العقلية هي السبب المباشر فيما نرى من سوء النظام والعادات القبيحة، كتعدد الزوجات في الحياة العائلية، وانقسام الناس إلى أحزاب وطوائف في النظام الاجتماعي في الشرق كله» (ص22). «انظر في نظام الحكومات أو تاريخ الشعوب التي مضت عاكفة على هذه العقلية، فماذا ترى؟ ملك مستبد بعيد عن التقيد بما توجبه الشرائع الأدبية، منعوت دائما بأنه ظل الله فوق الأرض، وقصر منيف الظاهر مشمخر البناء، وما هو في الحقيقة إلا دار بغاء رسمي تملأ جوانبه السراري والجواري. بل إنهم عبارة عن مجموع من أبناء البشر، تعساء بعيدين عن حقيقة الحياة» (ص25). «إن أهل الكلام من المسلمين لم يعنوا بتحرير الضمائر والأفكار، كما أن التشريع الإسلامي لم يحب أهل الإسلام بحق الحياة والعمل. بيد أن كل الأمم الآسيوية قد حكمت بنظامات وتعاليم دينية، وكل القوانين التي فرضت على هذه الأمم، قد استمدت من هذا النبع وحده. ولما كانت هذه القوانين بمقتضى ذلك غير متغيرة ولا متحولة، قد قاومت في كل عصور التاريخ جولة هذه الأمم نحو النشوء والارتقاء، كلما حاولت أن تخطو نحوه. إن أهل الكلام قد أعاقوا العقل عن النماء والتطور، كما أعاقت النظم التشريعية تطور الشعور الاجتماعي، فنتج عن ذلك أن أصبح من أقصى المستحيلات أن يقع في آسيا انقلاب ثوري، لا في الصورة العقلية، ولا في النظام الاجتماعي» (ص26). «تحت تأثير هذه العقلية قيدت الإرادة، فقتلت حينا، وأعطيت من الحرية قدرا ضئيلا حينا آخر، في حين أن الإرادة الإلهية ظلت طوال الأعصر القوة الحاكمة بأمرها، وردت الإرادات والأسباب جماعها إلى القضاء والقدر الذي تصرفه القوة القدسية الغيبية. وهذا هو السبب فيما يدعى ب «البطالة الشرقية»؛ تلك الصفة التي يناظرها ما نسميه «الحضارة الأوروبية».» «إن كل ما حاول الغرب أن يصل إليه من طريق الإكباب على درس العلوم اليقينية، حاولت الأمم الآسيوية أن تبلغ إليه من طريق الأناشيد والصلوات والسحر والأرواح» (ص27). «جب نواحي آسيا وافتح باب أي قصر من قصورها الفخمة الضخمة؛ فإنك لا تجد إلا قطيعا من رجال ونساء اتخذوا الزنا حرفة في الحياة. وهذه هي بعينها حال الخليفة والإمام والمشايخ. إن هؤلاء الرؤساء الذين أمروا الناس بأن يصوموا وأن يتعبدوا ابتغاء وجه الله، وفي الوقت ذاته صرفوا الناس عن كثير من خيرات هذه الحياة، لم يكن لهم في حياتهم الداخلية من بغية اللهم إلا الحصول على اللذات البدنية من أية طريق وبأية وسيلة. وهذا التناقض الواقع بين ما يأتون من فعل، وما يتفوهون به من كلمات ، قد دل على خبثهم وخيانتهم وفتكهم بعقول الناس، وكان في الوقت ذاته سببا في أن تحتكم النزعات السفلية من خيانة وفجور في إدارة الحكومات؛ ولهذا تجد أن هذه قد مضت مستبدة بأمرها في كل طبقة من طبقات السلك الحكومي، حتى لقد اعتبرت الخيانة، كما اعتبر الغش والخداع، من الأمور المشروعة؛ تأييدا للمآرب الذاتية وخدمة لمصالح الأفراد (ص28).
لم تكن الديانات في تاريخ آسيا كله إلا حركات رجعية أملتها الغيرة التي تزود بها كل رسول جديد ضد الرسل الأقدمين. إن ديانات آسيا كافة واحدة في جوهرها؛ فإن تعاليم كونفوشيوس وبراهما وموسى وعيسى ومحمد كلها واحدة، فإن اختلفت فإنها إنما تختلف في التفاصيل لا في القواعد (ص30).
هذا هو الحق الذي نقع عليه كلما قلبنا تاريخ الأمم الآسيوية. لقد خضعت آسيا لهذه العقلية، ولم يكن لديها من القوة الذاتية ما تستطيع به أن ترمي عن كاهلها ثقل هذه التقاليد. إذن فلا سبيل إلى الخلاص إلا بلقاح يستخلص من العقلية الأوروبية، وهذا هو السر فيما نرى من تقدم اليابان المدهش خلال الخمسين عاما الفارطة، إذا قسنا تقدمها بتقدم الصين مثلا. إن الصين لا تزال إلى اليوم واقعة تحت تأثير الذهنية الآسيوية، أما اليابان فقد نفضت عن كاهلها هذه الذهنية واستعاضت عنها بالذهنية الأوروبية إجمالا وتفصيلا. ولقد يظن البعض أنه من المستطاع أن تحوز الأمم هذا التفوق الكبير من طريق الاستعانة بالعلوم العملية وحدها؛ غير أن هذا مستحيل؛ لأن المسألة مسألة عقلية تتناول كل بناء، الفكر والعواطف والمشاعر والحياة، تنكشف وتتراكز خلال الأجيال. إن «العقلية» كل لا يمكن تجزئته إلى أقساط ونتف، وعلى هذا وجب أن تلغى العقلية الآسيوية كلية؛ لتحل محلها العقلية الأوروبية في مجموعها. ولن تجد للخلاص طريقا آخر» (ص31-32). (3) «الأتراك أمة آسيوية؛ ولذا كان من الطبيعي أن يعيش الشعب التركي وأن يعمل متأثرا بوحي العقلية الآسيوية، وإنما ينحصر غرضنا الآن في أن نبحث حياتنا وتاريخنا؛ لنرى كيف زودتنا الثورة الأخيرة بحياة جديدة، وأن نفهم طبيعة تلك الواجبات والالتزامات التي فرضتها علينا عقلية الثورة، ولنحكم على مقدار ما هو مطلوب منا من تضحيات، حتى نستطيع أن نغرس هذه العقلية في نفسية الشعب بشكل قاطع» (ص33). «لقد عودنا على أن نلقن بأننا عبيد الملك، ظل الله فوق الأرض، وأننا له ملك ومتاع. وهذا يتضمن بالضرورة الاعتقاد بأنه ليس لدينا من شيء يمكن أن يقاوم قوة خليفة الله الواحد القهار، المتربع فوق عرش الأرض، وأنه لن يكون من نظام اجتماعي أثبت أصولا من اجتماعنا، ولا حياة دنيوية أسعد ولا أمتع من حياتنا. بينما كانت الحقائق الملموسة، توحي لنا كل حين بأن في أنحاء مملكتنا فقرا وجوعا، وأن جزءا بعد جزء من أطراف الإمبراطورية كان يؤخذ عنوة ورغما منا نهبا واغتصابا.» «وكانت لنا حكومة هي أضعف من أحط الحكومات الأوروبية، متردية في حمأة الرشوة، مفككة الأوصال، مضطربة الأحوال، بعيدة عن حكم الشرائع والآداب. وكنا نستجدي الغرب في كل شيء نحتاج إليه. ومع كل هذا فقد كان لدينا «ظل الله فوق الأرض» وأربعون زوجة من زوجاته، وأربعون غلاما ممن تعرف ولا أذكر، لا شغل له إلا أن يحمل الشعب على أن يتجرع فكرة الجنة ونعائمها على ما وضعها رجال المذاهب القديمة، كان قد أصابنا الانحلال في الداخل، ولم يكن لدينا من سبيل لكي نفهم الحق، وأن نعرف الحقيقة، إلا بأن نتصل من طريق ما بالمعرفة الأوروبية، وأن نعترف بتفوق العقلية الغربية، وأن نكب على درس الأسباب التي غرست الشقاء والتعاسة، في أرض من كنا نعتقد أنه «ظل الله فوق الأرض». ولما فعلنا بان لنا أن «ظل الله فوق الأرض» لم يكن شيئا، اللهم إلا صنما مفقود القوة والروح، كأي صنم من أصنام بوذا في الهند، وكان لنا بمحمد أسوة؛ فكما أنه حطم أصنام مكة والمدينة، كذلك نحن حطمنا أصنام الخلفاء والمذاهب القديمة والتكايا والقبور. هذا هو معنى الثورة، أما منافعها فسوف تكون عظيمة لخير الأمة وسعادتها في المستقبل» (ص34). «إن الإمبراطورية التركية القديمة كانت دولة دينية، لقد تبدلت هذه الإمبراطورية من نظام التكية السلجوقي القديم بنظام المذاهب، وأخضعت الناس قسرا للمنطق التحكمي الذي اختص به كل من ندعوه «حجة الإسلام».» «ومع كل ذلك، فإن هذه «الدروشة» وإن شئت فادعها «الباطنية»، كانت السبب الأقوى الذي نجى الأمتين، التركية والفارسية، من أن تستعربا بشكل حاسم، وفي هذا المجال وحده بدأ النضال بين الإسلام والقومية. أما القومية فقد تفوقت وانتصرت في النهاية» (ص39). «بعد هذا بدأ عصر الملوك العثمانيين، وفي هذا العصر تفوقت المذاهب العربية القديمة وأساليبها كل تفوق، حتى لقد اتبعت أساليب المذاهب البغدادية في الإجمال والتفصيل، وهنا شبت ما ندعوه «الشريعة» التي استمدت كل أحكامها من الأوامر والنواهي المقدسة المنزلة، فكان لزاما أن لا تعترف هذه المذاهب بأن تغير الأزمان موجب لتغيير الأحكام.
لقد نظرت هذه المذاهب إلى القسطنطينية كما نظرت لبغداد، ولم تفكر ساعة واحدة في أن تدرس البيئة التي تحيط بهذه العاصمة وأن تتعرف طبيعتها وأن تكيف مبادئها بما يلائم هذه البيئة. لقد مضت المذاهب تزود الناس بعقاقير استمدتها من مصادر كانت في مكة قبل بغداد، وكانت من قبل أن تكون في مكة بين أعراب البادية.
فهل يمكن أن يكون مستطاعا أن تحتمي الشعوب بمثل هذه الشريعة التي لم تدل يوما على أنها ملائمة لتطور الحالة الاجتماعية التي يقتضيها نماء العقل البشري؟ إنه يتعذر أن نناقش هذه الحقيقة، ليس من الممكن أن تتطور قوة ما من القوى وتمضي مرتقية، وهي في الوقت ذاته بعيدة عن التأثر بمبادئ التطور وماهيته. إن مثل هذه القوة لا تنتج من شيء، اللهم إلا التراجع والاندثار» (ص49). «إن المبادئ التي استمدت من مكة ومن رمال البادية هي التي أعاقت تركيا عن التقدم ستة قرون طوال. لقد حكمت هذه المبادئ الشعب التركي عقليا ومدنيا واجتماعيا وسياسيا وإداريا ومدنيا، وعلى الجملة احتكمت في كل مظاهر حياته. ولقد استنفدت المدارس كل موارد تركيا المالية، ولكن ماذا كانت طبيعة الأشياء التي تدرس بين جدرانها؟ لم يدرس فيها حرف واحد من اللغة التركية، بل كانت العربية هي الأساس، وأكب الناس على درس مقاطيع من القرآن وتفسيرات فيه، قد أربت على المئات والألوف من الصفحات، التي كتبها واضعوها وحكموا فيها منازعهم وشهواتهم تحكيما. وكذلك درسوا الحديث، تلك الأحاديث التي وضعها وانتحلها رجال من مختلف الأمم، وفي مختلف الأزمان» (ص49). «بيد أن هذه الأساليب التعليمية، لم يكن لها من صلة بالشعب التركي، ولا بلغته ولا بثقافته، بل لم يكن لها من صلة بالحياة ذاتها، وليس في تاريخها من شيء هو أدعى إلى الخجل، من أن تفرض السراي - الباب العالي - على الشعب التركي أسلوبا تعليميا عربيا في قوامه ومبناه. ومن الغريب أننا خضعنا لهذا النظام خضوع العبيد والإماء ستة قرون طوال» (ص52). «لقد وضعت المذاهب علما قدسيا بنته على تفسيرات خاصة فسرت بها الأحاديث وآيات القرآن. أما رجالها فقد أعلنوا الحرب والنضال على كل من حاول أن يخرج عن هذه الدائرة. وبهذا سد باب العلم وحظر على الناس ولوجه» (ص55). «لقد مضت المذاهب حاكمة بأمرها في السراي وفي التكايا، ولم يكن على المتربع في السراي، خليفة العالم «وظل الله فوق الأرض» من واجب إلا أن يحمي بصولته، طريقة تطبيق تلك التعصبية الدينية التي تأصلت في بغداد تطبيقا عمليا. وكان من أثر هذا أن ألغيت حرية الضمائر وقتلت طريقة النقد العقلي. وبكثير من الخطأ في التفسير والتلاعب به، فصلت المرأة عن الحياة الاجتماعية وأبيح تعدد الزوجات، فلم يصبح للمرأة في عالم الاجتماع من مكان تشغله» (ص62).
كذلك فرضت المدارس على الناس أحكاما شاذة لتقوي بذلك دعائمها وتثبت مركزها؛ فقد قالت إنه فجور أن تكلم امرأة أحدا من غير أهلها، بل قضت أن ظهور شعرة واحدة من شعرها ليراها أجنبي سبب كاف للطلاق، في حين أنها لم تذكر أن الخلفاء الذين ولدوا بغير عقد شرعي، هم بذاتهم نبت لغرس غير مشروع (ص64). (4)
طالما خيل إلينا أن المسألة الشرقية التي قامت في دوائر أوروبا السياسية من أكبر المخاطر التي تعرضنا إليها. ولقد جر الخوف من هذه المسألة إلى جهود كثيرة بذلت في سبيل الإصلاح. على أن ضروب هذا الإصلاح لم يكن فيها من ورح الانقلاب أو التجديد شيء ما، بل كانت مجرد وسائل سياسية تذرع بها الحاكمون لإنقاذ الدولة. على أن جزءا كبيرا من هذه الإصلاحات بذاتها كانت من عمل الأوروبيين لا من عملنا (ص72).
وفي الحق إن هذه الحركات الإصلاحية لا يمكن أن تعتبر حركات تجديد؛ لأنها لم تصدر من الشعب، مصدر كل إصلاح وتجديد (ص73)، وإذا كان قدماء الكتاب والمؤلفين لم يخرجوا عن حد النقل عن منتجات الشرق؛ فإن كتاب عهد الإصلاح، كما يسمونه، لم يتعدوا حد النقل عن منتجات الغرب، فلم يكن في كلا العصرين نزعة إلى التجديد أو الابتكار (ص74)، والدليل على ذلك أن المصلحين لم يحاول أحد منهم أن يلمس بنقد أو تقرير حقيقة الحياة العائلية في تركيا (ص80). لقد نقل هؤلاء مبادئ الثورة الفرنسوية نقلا حرفيا بلا تحوير أو تبديل. على أن الثورة الفرنسوية لم تتناول نظام الأسرة في أوروبا بأي حدث؛ ذلك لأن حياة الأسرة الأوروبية كانت قد وضعت مرساتها على نظام ثابت لا يقبل التغيير (ص80).
Bilinmeyen sayfa