ومن عجيب أمره، إنه لما كبر أصيب ببصره، فكان لا يميز الناس ولا الدواب ولكنه يقرأ الكتب، وقد حدثني عمنا العلامة البركة مأمون، إنه كان يكتفي في الليل بضوء قليل يقرأ الكتب عليه، وهذا شائع هناك. وله شواهد منها قول العلامة باب الآتي يرثيه من منظومة:
أغناه نور القلب عن نور البصر ... يطالع الكتب ولا يرى البشر
وقال ابن عيد الجكني يخاطبه ويشكو إليه ناسا من أقاربه هجوه:
يا حرمة الله يا نبراس ذي العُصُرى ... يا من بصيرته أغنت عن البصرِ
ماذا تقول لمن أمسى يخاطرني ... من خاطر البزل لم يسلم من الخطرِ
وكان مع علمه وصلاحه يجيد النسيب. ومن بديع قوله:
إلى متى تظهرُ السلوان والفكرُ ... تعلو بقلبك أحيانًا وتنحدرُ
ما أنت أوّل من أفنى تجلده ... وصبره دعج العينين والحورُ
ولو مرّ أهيفُ مجدولٌ على حجر ... صبا له أن رآه ذلك الحجرُ
هيف الخصور خدال السُّوق قد صرعت ... قَيسًا وقِيسًا وغيلانا وما انتصروا
جرَّ عن عروة كأس الموت قبلهم ... وقال فيهنَّ ما قد قاله عمرُ
عراك منذ شهور ما ألمَّ بهم ... رِدْ مثل ما ردوا واصدر كما صدروا
لا يصدر الطرف عن جيدا منعمة ... إلا امرؤ لم يكن في وجهه بصرُ
واجعل سريرك رحلا فوق يعملة ... من شدة الخطو لا يبدو لها أثرُ
ساير براحا عليها كل هاجرة ... وأدلج كما تدلج الجوزاءُ والقمرُ
حتى تُؤَوِّب غزلانًا تسامرها ... يا حبذا تلكم الغزلان والسمرُ
إن شاكلت كل خضر أدمنة زَهَرًا ... يا حبذا الدمن اللاتي بها الخضرُ
ماذا تضرُّ عروقٌ غير طيبة ... أن طاب للمجتني أثمارها الثمرُ
1 / 26