والمشرب يجوز أن يكون مصدرا كالشرب، ويجوز أن يكون موضعا.
قال المفسرون: كان فِي ذلك الحجر اثنتا عشرة حفرة، فكانوا إذا نزلوا وضعوا الحجر، وجاء كل سبط إلى حفرته فحفروا الجداول إلى أهلها، فذلك قوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة: ٦٠] .
وقوله تعالى: كلوا أي: وقلنا لهم كلوا من المن والسلوى، واشربوا من الماء فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة ولا مئونة، وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿[البقرة: ٦٠ يقال: عثي يعثى عثوا، وهو أشد الفساد.
قوله تعالى:] وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ [البقرة: ٦١] الطعام: اسم جامع لما يؤكل، وإنما قالوا: طعام واحد وكان طعامهم المن والسلوى، لأنهم كانوا يأكلون المن بالسلوى، فكان طعاما واحدا كالخبيص، لون واحد وإن اتُّخِذَ من أطعمةٍ شتَّى.
قال المفسرون: إنهم ملوا عيشهم وما كانوا يأكلونه، وذكروا عيشا كان لهم بمصر، فقالوا لموسى: فادع لنا ربك أي: ادع لأجلنا ربك، وسله وقل له: ﴿يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا﴾ [البقرة: ٦١] وهو كل نبات لا يبقى له ساق إذا رعته الماشية، وقثائها وهو نوع من الخضروات، وفومها وهو الحنطة بلا اختلاف بين أهل اللغة، فقال لهم موسى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٦١] أي: أقرب وأسهل متناولا بالرفيع الجليل الذي خصكم الله به؟ ! ويجوز أن يكون معنى الدنو فِي قرب القيمة، يقول: أتأخذون ما هو أقل قيمة بدلا بالذي هو خير فِي القيمة؟ ! ويجوز أن يكون أدنى من الدناءة، وهي الخسة، وترك همزها، والمعنى: أتستبدلون ما هو أوضع وأخس بالذي هو خير؟ ! وهذا اختيار الفراء.