قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: ابن التبع بن زيد بن رفيدة بن عمرو بن أبرهة بن الرائش، ولي الملك بعد أسعد بن حسان المعروف بملكيكرب الأقرن، فأحسن سيرته في الناس، وملك ما ملك الأوائل من آبائه وأجداده، ويقال إنه وصى ابنه ياسر ينعم بن تبع بن زيد بن رفيدة بن ذي الأذعار، وهو السادس من التبابعة، فقال له: يا بني إن الملك مصباح، والملك واقد ذلك المصباح، فإن حفظه من ريح يطفئه أو من ذبالة لا تساعفه أو من وقود يقطع به منه أو من مستوقد لا يخونه دام له ذلك المصباح وسلم ضياؤه ونوره ما شاء أن يضيء له، وإن هو غفل عنه بعد أن أوقده، ولم يقم حق قيامه عليه أطفأته الريح، فإن سلم من الريح لم يسلم أن يطفأ عند انقطاع الوقود عنه، فإن سلم من انقطاع الوقود لم يسلم من أن يطفأ عند احتراق الذبالة، ولا يؤمن عند احتراق الذبالة من مستوقد الصباح أن يطير المستوقد قلقًا؛ فلا النور ساطع، ولا المستوقد صحيح، ولا الذبالة سالمة، ولا الواقد محمود. ثم أنشأ يقول:
ضَربتُ لكَ الأمثالَ ياسرُ ينعمُ ... وأنتَ بما يُوحى إليكَ خبيرُ
وأنت غدًا للمُلكِ مِنْ دونِ كُلِّ من ... يُحاولُ مُلكًا في البلادِ جديرُ
أَعِنْ واستَعِنْ ما دُمتَ للعِزِّ راكِبًا ... وفي كفِّكَ المُلكُ اللَّقاحُ جَريرُ
فإنِّيْ رأيتُ المُلكَ مِصبَاحَ سامرٍ ... إذا نالَهَ أمرٌ فليسَ ينيرُ
فإن لم يخنه بُؤسُهُ ووقُودُهُ ... ويسلمَ مِنْ ريحٍ عليهِ تدورُ
يُضِيُء ومِنْ تحتِ الظَّلامِ سِرَاجُهُ ... يُضيءُ له الديجور فهو بصيرُ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال إن ياسر ينعم بن تبع بن زيد بن ذي الأذعار بن ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر ثبت بعد أبيه على وصايا آبائه وأجداده، وحفظها، وعمل بها في سياسة الملك ما ثبته بين الناس، ولم يتعد سيرة أسلافه وسنن أوائله.
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ياسر ينعم بن تبع بن زيد بن رفيدة بن عمرو وصى ابنه شمر ذا الجناح، فقال له: يا بني، دبر الملك، فإن التدبير ثباته، والإحسان أساسه، والعدل قوامه والرجال عزه، والمال نجدته، والعشيرة عدته. ولا ملك لمن لا تدبير له، ولا ثبات لمن لا إحسان له، ولا إحسان لمن لا عدل له، ولا عدل لمن لا قوام له، ولا قوام لمن لا رجال له، ولا رجال لمن لا بذل له.
ثم أنشأ يقول:
أُوصِيكَ شَمَّرُ ذا الجناحِ وصيَّةً ... ما زِلتُ أحفظُها لِجَدِّك تُبَّعِ
ما لاحَ لي دَرْكُ العُلا إلا بِهَا ... وبها اهتديتَ إلى السبيل المهيعِ
ولقد ملكتُ بها البلادَ وحُزتُها ... ما بينَ مغربِ شمسِها والمَطلعِ
فاحفظْ لِملكِكَ ذا الجناحِ وصيَّتي ... وعليكَ شَمَّرُ بالخِصالِ الأرفعِ
حشد الرِّجال وإنهُم لكَ عُدَّةٌ ... وبِهِم تُدافِعُ كلَّ أمرٍ مُفظِع
وعليهمُ وبهِمْ تدورُ رحى العُلا ... والمكرُمَاتُ وَكُلُّ أمرٍ ميفعِ
واعدِلْ فإنَّ العدلَ يُحمدُ غِبُّهُ ... والخيرُ مهما اسطَعتَ مِنهُ فاصنعِ
كُلُّ امرئٍ يُجزَى بما سَبَقتْ لهُ ... فإذا أردتَ حصادَ زَرعِكَ فازرعِ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن شمر ذا الجناح ولي الملك بعد أبيه، وهو آخر التبابع وأعظمهم ملكًا وسلطانًا، وهو الذي يقال له الُتَّبع الأكبر، وهو الذي سار في الظلمات بعد أسعد الكامل في منقطع الأرض، يطلب فيها ما طلب ذو القرنين وأسعد الكامل، وهو الذي بنى مدينة سمرقند وإليه نسبت. وكتب على باب مدينة مرو كتابه الذي يعرف به وله إلى اليوم، وكذلك كتب على صنم المغرب الذي ليس وراءه إلا الرمل الذي تتغطمط أمواجه كما تتغطمط أمواج البحر، ويجري كما تجري السيول الطامة في أوديتها. وقد ذكر ذلك الدعبل بن علي الخزاعي في شعره الذي يقول فيه: " من الوافر "
وهُمْ سمَّوا سمرقندًا بِشِمرٍ ... وهُم غَرَسُوا هُناك التُّبتينا
وَهُم كتبُوا الكتابَ ببابِ مروٍ ... وباب الصِّين كانُوا كاتِبينا
وفي صنمِ المغاربِ فوقَ رملٍ ... مسيلُ تُلُولهِ تحكي السَّفِينا
1 / 11