حتى إذا شاءت أن تتكلم كانت من فصاحة النطق وبراعة الحديث؛ بحيث يصمت شقيقها الشيخ إبراهيم تهيبا في حضرتها، فيكون لها الحديث ويكون له الإصغاء. قد يرى الأشرار في هذا مجالا جديدا للطعن في المرأة فيقولون إن الشاعرة كانت تتكلم بدافع حب جنسها للكلام، وأن أخاها كان يسكت لأنه رجل ... ولكن لا ننسين أن هذا رأي الأشرار، وأننا من الصالحين الذين يكتشفون الفضل في معدنه.
وكان زوجها من أهل العلم كذلك؛ فظلت تنظم بعد الزواج، واستخرجت من منظوماتها ديوان «حديقة الورد» الذي طبع أول مرة في بيروت سنة 1867م؛ أي بعد زواجها بعام واحد. وأعيد طبعه بعد عشرين سنة. ثم طبع مرة ثالثة سنة 1914م في مطبعة هندية بمصر. وكانت تضيف إلى كل طبعة جديدة خير ما نظمته في تلك الفترة، حتى استقرت الطبعة الثالثة على نحو مائة صفحة من القطع الكبير. وهي هذا الكتاب الذي ترين، أيتها السيدات.
وإني لأرجو السيدة نور الهدى
3
أن لا تعاقبني هذه المرة لأن كتابي ممزق. إني شديدة الحرص على كتبي عادة. وما أصبحت «حديقة الورد» على هذه الحالة المهشمة إلا لأني أكثرت من معالجتها وتعذيبها في هذا الأسبوع إرضاء لكن يا سيداتي. وأحرجني الوقت فلم يسمح لي بتجليد الكتاب.
وكانت الشاعرة قد انتقلت بعد وفاة زوجها سنة 1899م إلى الإسكندرية فصرفت فيها بقية حياتها مع ولدها الدكتور سليم شمعون، من خيرة أطباء الثغر. ولها ابنة تدعى لبيبة يظهر أنها نشرت بعض آرائها في الصحف، ولكني لم أطلع على شيء من تلك الكتابات. وتوفيت الشاعرة في أوائل هذه السنة وهي في مطلع عامها السابع والثمانين. فذوى بها الغصن الأخير من الدوحة اليازجية الأثيلة.
الفصل الثاني
ديوان حديقة الورد
يقول السيد جورج باز، نسيب الشاعرة، مناصر المرأة في سوريا، ومن أخلص مناصريها في العالم: إن «حديقة الورد» هو الديوان الوحيد الذي طبع ثلاث مرات لشاعر معاصر.
وعلى كل فهو الأثر الوحيد الباقي من آداب وردة اليازجي، ولا شك أنها اقتبست اسمه من اسمها. كما يلوح أن اسم الورد المتواتر في كتابات الشعراء كان يذكره بلذة أدباء عائلتها، ولو أنهم عنوا به رمزا غريبا، كأنه صار يخصهم أكثر من غيرهم لاتصال شاعرتهم به. ففي ديوان أخيها خليل المدعو «نسمات الأوراق» أبيات شجية عن الورد. هذا مثال منها:
Bilinmeyen sayfa