Mesih'in Diğer Yüzü: İsa'nın Yahudiliğe Bakışı - Gnostisizme Giriş
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
Türler
أما لماذا دفنت هذه النصوص في الصحراء وتركت هناك هذه المدة الطويلة، فإن تاريخ الحركة المسيحية وما تميزت به بداياتها من صراع بين الفرق والطوائف المختلفة، هو الذي يجيب على هذا السؤال، ففي الفترة المبكرة من نشوء المسيحية، كانت نصوص نجع حمادي وغيرها من النصوص التي اعتبرت بعد ذلك غير رسمية، متداولة بحرية وعلى نطاق واسع بين المسيحيين، ولكن منذ أواسط القرن الثاني الميلادي ابتدأت كنيسة روما، التي شعرت بقوتها وسطوتها، حملة واسعة النطاق ضد الطوائف المسيحية الغنوصية، واعتبرتها هرطقات يجب مكافحتها بكل الوسائل، وتفرغ عدد من آباء الكنيسة الأوائل لدحض الفكر الغنوصي وإظهار زيفه وبطلانه.
فهناك الآن كنيسة واحدة فقط قويمة الإيمان (أرثوذكسية)، وهي في الوقت نفسه عالمية مسكونية (كاثوليكية)، أما ما تبقى من الشيع والفرق والاتجاهات الفكرية داخل المسيحية، فانحرافات عن الإيمان الصحيح ينبغي تقويمها وإعادة خرافها الضالة إلى الحظيرة الكاثوليكية، وعندما تحول الإمبراطور قسطنطين إلى المسيحية في مطلع القرن الرابع الميلادي، وصارت المسيحية القويمة دينا للدولة، تحول رجال الكنيسة من ضحايا لاضطهاد السلطات الرسمية إلى مشرفين ومحرضين على اضطهاد خصومهم، فجرى منع تداول كل الأدبيات المسيحية غير الرسمية، وصار اقتناء الكتب الغنوصية جريمة يعاقب عليها القانون، وشنت السلطات الكنسية حملات تفتيش واسعة على هذه الكتب وأحرقتها، ولكن راهبا غنوصيا مقيما في دير القديس باخوميوس القريب من منطقة الاكتشاف، قد أنقذ ما يمكن إنقاذه من المخطوطات الغنوصية، فخبأها في جرة ودفنها عند جبل الطارف.
على أن أولئك المسيحيين الذين تداولوا مخطوطات نجع حمادي، وغيرها من المخطوطات الغنوصية التي ضاعت إلى الأبد، لم ينظروا إلى أنفسهم كهراطقة بل نظروا إلى أنفسهم باعتبارهم أهل الإيمان الصحيح، وورثة تعاليم سرية أصلية ليسوع المسيح، فهم «العارفون
Gnostics » نسبة إلى الكلمة اليونانية «غنوص
Gnosis » التي تعني «العرفان» و«البصيرة الداخلية»، التي تجعل أصحابها في تواصل مباشر مع الأسرار الإلهية، أما البقية من أتباع الكنيسة القويمة، فهم «المحجوبون» أو «غير العارفين
Agnostics »، الذين وقفوا عند حدود «الظاهر» ولم ينفذوا إلى «الباطن»، وتظهر كتابات هؤلاء الغنوصيين صلتهم بالحركة المسيحية الأولى، فهي تدعي حفظها لتعاليم شفوية للمسيح لم تدونها الأناجيل الرسمية وبقية أسفار العهد الجديد، كما أن الشخصية المركزية فيها هو يسوع المخلص، ومعظم هذه الكتابات يعزى إلى أفراد من حلقة تلاميذ يسوع المقربين، ولكن الفارق بين الشيعتين واسع جدا، فالمسيحيون القويمون يعتقدون بأن الله هو كيان مفارق كليا، وعلى جميع الأصعدة، والهوة العميقة بينه وبين الإنسان لا يمكن عبورها، أما الغنوصيون فيرون من خلال تجربتهم الباطنية، أن معرفة الإنسان في أعمق مستوياتها، هي في الآن نفسه معرفة الله، وأن الإلهي والإنساني متطابقان بشكل ما.
ومن ناحية ثانية فإن النصوص الغنوصية تتحدث عن «الوهم» و«الاستنارة» لا عن «الخطيئة» و«التوبة» كما هو حال النصوص الرسمية، ويسوع قد جاء إلى العالم كمعلم عرفان وكمرشد على طريق الاستنارة، ولم يأت ليفتدي العالم من الخطيئة الأصلية.
ومن ناحية ثالثة، يؤمن القويمون بأن يسوع هو رب، وابن لله بطريقة فريدة لن تتكرر؛ ولذا فإنه يبقى متميزا عن بقية البشر، أما الغنوصيون فيعتقدون بأن كل عارف قادر على التحول إلى «مسيح»، بعد أن يقطع شوطا على طريق العرفان، فقد قال يسوع لتوما عندما ناداه يا معلم: «لست معلمك؛ لأنك شربت وسكرت من النبع الفوار الذي سكبته» (الفقرة 13)، وهكذا يبدو لنا مسيح الغنوصية أقرب إلى بوذا الديانات الشرق أقصوية منه إلى يسوع الناصري، الذي صلب ليحقق الرابطة المفقودة بين الله والناس.
لم توضع نصوص مكتبة نجع حمادي بين أيدي الباحثين عقب اكتشافها مباشرة، وذلك لعدة أسباب، فقد استغرقت عملية مصادرة المجلدات من قبل السلطات المصرية عدة سنوات، ولم تستطع وضع يدها على المجموعة كاملة إلا في عام 1952م. بعد ذلك لم تكن إدارة المتحف القبطي بالقاهرة كريمة في السماح للباحثين بالاطلاع على المخطوطات ودراستها، والقلة التي سمح لها بذلك مارست احتكارا على ما أودع بين يديها، ولم يسمح أفرادها للباحثين الآخرين مشاركتهم، لما يمكن أن ينجم عن نسخها ونشرها وترجمتها من شهرة أكاديمية، أخيرا، وبضغط وإلحاح عدد من الباحثين الأوروبيين، تدخلت منظمة اليونسكو العالمية لدى السلطات المصرية، ودفعت قدما عملية نشر صور فوتوغرافية للمخطوطات، فصدر المجلد الأول منها عام 1972م، ثم صدرت تسعة مجلدات أخرى تباعا حتى عام 1977م، وفي عام 1978م صدرت الترجمة الكاملة لمكتبة نجع حمادي باللغة الإنجليزية بإشراف وتحرير الباحث الأمريكي جيمس م. روبنسون ومشاركة عدد من الباحثين العالميين.
1 (1) مصادر معلوماتنا عن الغنوصية
Bilinmeyen sayfa