وأنا أرجع إلى القرآن من حين إلى حين، أرجع إليه حين تعجز المذاهب الفلسفية عن هداية قلبي، أرجع إليه حين لا ينجيني الغرور السخيف الذي يوهمني بأني وصلت إلى أصول الحقائق حين طوفت بالمذاهب الفلسفية عند القدماء والمحدثين، أرجع إليه حين أكون كالمريض العاقل الذي لا يخفي علته على الطبيب.
واسمحوا لي أن أتهم نفسي علانية فأنا أتهيب إعلان صداقتي للقرآن المجيد لئلا يشك الناس في علمي، فمن أوهام هذا العصر أن يكون العلم عند الملحدين لا عند المؤمنين، ولن أجرؤ على إعلان إيماني إلا يوم يصح عندي أن منافع الدنيا وإن جلت وعظمت لا تساوي التشرف بالخضوع لأحكام القرآن.
أنا أيها السادة صريع العصر الحديث، ويعزيني في بلواي أن لي زملاء يعدون بالمئات أو بالألوف، فأكثر من تعلموا في أوربا يؤذيهم أن يقال إنهم مؤمنون، لأن أوربا طافت بها موجة عنيفة أشاعت في الناس اليقين بأن العلم والدين لا يلتقيان.
وقد اكتوينا في مصر بهذه البلية، وما أعرف بالضبط كيف حالكم في العراق. •••
ولكن أفي الحق أن القرآن يملك هدايتنا إلى أصول الخير في العصر الحديث؟
أفي الحق أن الكتاب الذي مضت عليه أجيال وأجيال يعطينا من الهداية ما تعجز عنه الفلسفة العميقة التي تدرس في الجامعات الفرنسية والألمانية؟
ألا يكون كلامي هذا تعصبا مصطنعا أجتلب به العطف من جماهير المسلمين؟
ألا يمكن أن أكون مرائيا يخادع الناس؟
أنا لا أكذب عليكم، أيها السادة، فعصركم لا يشقى فيه غير الصادقين، وإنما قضت المقادير أن تشرفني محطة الإذاعة بالدعوة لإلقاء كلمة في الليلة التاريخية التي ولد في مثلها الرسول، وقد قبلت بعد تردد وتهيب؛ لأن الكلام في هذه الليلة يوجب الصدق، والصدق صعب على نفسي، لأني أعيش - واأسفاه - في عصر الأكاذيب.
أيها السادة
Bilinmeyen sayfa