اسمع أيها الفطن العاقل
لقد حضرت حفلة توزيع الجوائز بكلية الحقوق، وسمعت الخطبة الفصيحة التي ألقاها أحد المتخرجين، الخطبة التي قرر فيها أن مصر حين تخدم العراق من الوجهة التشريعية إنما تؤدي دينا قديما: هو الفقه الذي نقله الشافعي، وكان رحل إليها بعد التفقه بالعراق.
إن هذه الكلمة أثارت أشجاني، فقد تذكرت أننا فرطنا في ماضينا العلمي والأدبي، وتناسينا ربط الحديث بالقديم.
ولك أن تذكر أن فقه الشافعي الذي تعرق ثم تمصر لا يجد من رجال القانون عندنا أو عندكم من يعرف الفروق بين مذهبه القديم ومذهبه الجديد.
وأغلب الظن أن كتاب «الأم» الذي ألفه البويطي في فقه الشافعي لا يوجد بمكتبة الحقوق في بغداد، وإن كانت تلك المكتبة تعرف طوائف من المؤلفات في الفقه الروماني.
أيها الصديق
احذر أن تنخدع بالظواهر فتظن أن التعاون العلمي قائم حقيقة بين مصر والعراق، قد نكون صنعنا شيئا، ولكن هذا الشيء لا يزيد عن حفر الأساس، إنما يتم التعاون العلمي بين مصر والعراق يوم نعرف تبادل الأساتذة وتبادل الطلاب، كما يفعل الفرنسيس والإنجليز والألمان، ويومئذ تتأصل المودة الحقيقية التي لا تزعزعها كلمة وشاية أو كلمة بهتان.
وهذه الآمال قد يعجز عن تحقيقها مصري مثلي، أو عراقي مثلك فهذه آمال لا ينهض بتحقيقها غير رجال لهم صبر الأنبياء.
أما بعد، فأنا أومن بأن الأمم العربية، أو الأمة العربية، شبعت من النضال السياسي وهو في أغلب أحواله نضال أثيم، فلم يبق إلا النضال الأشرف، وهو النضال العلمي والأدبي.
أنت تعرف أيها الأخ أننا لم نعرف البطولة في غير الميادين السياسية، وهي بطولة محترمة، فمن حق من أوذى في سبيل الوطن أن يقول إنه من رجال التضحية، وأن يطلب من المناصب ما يشاء، ولكن يبدو لي أن الوقت حان للبطولة العلمية والأدبية.
Bilinmeyen sayfa