Ömrün Vahaları: Otobiyografi: Birinci Kısım
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Türler
كان نجاحي في الكتابة الإذاعية، وإحساسي «بالمواقف»؛ أي بحالات التشابك فيما بين الناس من حولي يدفعني دفعا إلى المسرح؛ فهو الفن المركب الذي يتيح تعدد الأصوات حقا، وكنت أزداد وعيا يوما بعد يوم بأن الأحداث التي تحدث من حولي مشاهد ذات قدرة جبارة على التعبير الفني، وهي أقدر من الشعر الغنائي قطعا على تحقيق غاياتي الفنية! وذات يوم كنت مع عز الدين فهمي في معهد الموسيقى حين دخل رجل يبدو عليه الثراء، وبصحبته بسيوني عازف القانون في فرقتنا القديمة، فطلبنا له الشاي في البوفيه، وحكى لنا عن ليال موسيقية في المنصورة قرر إحياءها بفرقة من القاهرة، وأن المبلغ الذي رصده كبير وكفيل بإغراء الكبار، ولكنه يريد تشجيع الصغار، فقرر الاستعانة بالفرقة على أن يتقاضى كل منا خمسين قرشا في الليلة الواحدة إلى جانب تذاكر السفر والمبيت والطعام! وكان بسيوني سعيدا بذلك، وقال إن الليالي قد تمتد أسبوعا على الأقل، وقد تمتد في حالة النجاح الجماهيري أسابيع متوالية!
لا أدري لماذا قبلت أن أتولى عزف العود في تلك الفرقة، خلفا لكمال العواد العبقري (لا أعرف أين هو الآن) ولكننا أمضينا الاتفاق، وفهمت من الحوار أن لدى «المتعهد» مطربات وراقصات من المنصورة نفسها، وأن كل ما يحتاج إليه هو «الآلاتية». ورحلنا مساء الخميس التالي في القطار، كل منا يحمل آلته، وكان منظرنا غريبا؛ إذ كان المسافرون يتطلعون إلينا في دهشة، ولما كنت آنذاك «خالي شغل» رسميا، لم أكترث لنظراتهم، وشغلت نفسي بالتطلع من نافذة القطار حتى وصلنا.
كان المساء قد حل، ووجدنا «المتعهد» في استقبالنا، ثم اصطحبنا جميعا سيرا على الأقدام في شوارع البلد، وكان بسيوني يتقدمنا حاملا «القانون» ومن ورائه الطبال (حمدي) باعتباره رئيس الفرقة وروحها النابضة، ثم باقي الأعضاء. وانحرفنا فجأة في شارع يطل على النيل العظيم، فإذا بنزل فخم تغمره الأضواء الباهرة، وقال لنا في ثقة اتفضلوا يا أساتذة! وسمعت بعض الأطفال يصيحون: «العوالم! العوالم وصلوا!» وسألت عز الدين في خوف عما يعني الأطفال فقال في أسى: «خازوق!» ودون أن ندري، كأنما كنا مخدرين، وجدنا أنفسنا نجلس في بهو رحيب، حيث «المعازيم» وأهل الفرح! كان الواضح أن «المتعهد» قد أتى بفرقة موسيقية للعزف في حفل زفاف؛ إذ أتى بعد ذلك والد العروس فرحب بنا، ووعدنا بأفخر الأطعمة هامسا: «فيه صواني بطاطس باللحم!» ولم يكن أمامنا مجال للتراجع، خصوصا بعد أن دخلت أولى الراقصات ومعها طبال خاص بها، فاعترض حمدي وبدأ جدال حسمه بسيوني بأن قال إنه سوف يقود الفرقة ويمنع الدخيل من إفساد الإيقاع! ثم دخل أحد الدخلاء يحمل أكورديون، فهاج بسيوني وماج وقال: كيف نضمه إلينا دون بروفات؟ ولكن جو الفرح كان غامرا، ووجدتني أتأمل الحاضرات من الجميلات، كانت العيون زرقاوات والجباه بيضاء والشعر سيالا كموج البحر! كان الجو كله يوحي بالحلم الغريب! وقالت الراقصة في ثقة: عزيزة! (تقصد قطعة موسيقية لعبد الوهاب) ودون انتظار حتى لضبط الأوتار بدأت تتمايل على إيقاع الطبال! وسألت عز الدين هامسا: من «ري» برضه؟ فقال طبعا! وأعطى بسيوني الإشارة فإذا بالنشاز لا حد له! واتضح أن الأكورديون يعزف القطعة من «مي» لا من «ري»! وعندما توقفت محرجا أشار علينا بسيوني بأن نعزفها من «مي » وأمرنا إلى الله!
كانت الراقصة سمينة وقبيحة، وحمدنا الله على أن الرقصة انتهت، ولكنها أشارت إلى الطبال قائلة: «ما قال لي وقلت له!» وهنا هاج بسيوني وقام يساعده حمدي باصطحاب عازف الأكورديون إلى الخارج، وأثناء ذلك كانت الراقصة قد بدأت الغناء! ولكنها كانت غير متمكنة من اللحن، وكانت تضيف جملا موسيقية من باب التنويع تحير العازفين، والأدهى من ذلك أنها تغير من طبقات صوتها أثناء الأغنية نفسها! وعندما خرجت تنفسنا الصعداء، ودخلت مغنية أخرى في مقتبل العمر، ويبدو أنها كانت تطمح في احتراف الغناء فكانت تطيع ما يقوله لها بسيوني، وبدأت تحاكي أم كلثوم، فانقضى الوقت سريعا، وبدأت الفرقة تحس بالإجهاد، وتتساءل عن الطعام، خصوصا بعد أن وصلت إلى الخياشيم روائح المطبخ!
ولم يأت الطعام مطلقا، فأشار علينا بسيوني بالنهوض، ويبدو أنه كان يتفاوض مع «المتعهد» على الأجر؛ إذ كان يكثر الخروج والدخول، ثم انطلقنا إلى محطة القطار، وركبناه في الواحدة، وفي طنطا نزلنا وانتظرنا القطار القادم من الإسكندرية، ونحن في حال من الإعياء يصعب وصفه، بينما كانت أم كلثوم الحقيقية تصدح في راديو المحطة! وبعد ساعتين، وكان معظمنا قد أغفى وانتبه عدة مرات، وصل القطار، وعدنا إلى محطة مصر (باب الحديد) مع أذان الفجر! وعندما عدت إلى المنزل لم أشعر أحدا بعودتي، وقررت أنا وعز ألا نخبر أحدا بتفاصيل تلك الخدعة، ولكن الزملاء ملأوا الدنيا صخبا وضجيجا، وكان من المعتاد آنذاك أن يعاتب بعضنا بعضا بالإشارة إلى تلك الرحلة، وما يزال بعض أصدقائي يقول لي عندما يراني بعد غيبة: إنت رجعت من المنصورة إمتى؟
2
وقطعت على نفسي عهدا بألا أظهر بالعود في أي مكان عام بعد ذلك، وأن أقصي تلك «المغامرة» إلى عالم المسرح الذي يلتحم الخيال فيه بالواقع، وإن كانت أحداث السنوات التالية قد تضمنت عناصر مسرحية «طبيعية»؛ أي من الحياة نفسها، فكانت صورة عجيبة للمسرح الحي!
وتفرغت عام 1960-1961م للدراسة والترجمة، وكان من مصادر الرزق المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الذي تولاه ضابط من السنبلاوين (التابعة للمنصورة) اسمه محمد توفيق عويضة، وكان كريما هو الآخر في دفع أجور المترجمين. وكان يعمل لديه زميل لي في الدفعة نفسها اسمه جلال الفار، فكنا نترجم مقالات مجلة منبر الإسلام - المقابل بعشرين جنيها. وحدث في شتاء ذلك العام قبيل رمضان أن اجتمع أصدقاء شارع الدري (الفردوس الآن)؛ وهم علي أبو العيد (الذي كان يقيم في أول شقة في العمارة) وعلي سليم (الذي كان يقيم في الشقة المجاورة) وفتحي رضوان (أخو عباس رضوان الذي أصبح وزيرا وكان من شلة عبد الحكيم عامر) وعبد الحميد (لا أذكر اسمه الآخر، ولكنه كان ابن خالة طالب في كلية الفنون التطبيقية اسمه فيصل، وكنا نتعاون في الرسم معا). اجتمعت الشلة مع طالب يصغرنا بعامين، ويمت بصلة قرابة حميمية لأحد الوزراء، وقرر الجميع استئجار عوامة في النيل (منزل نهري
houseboat ) بثمانية جنيهات في الشهر، يدفع كل منا جانبا من إيجارها، وقال فتحي: يستطيع عناني أن يترجم فيها على شاطئ النيل! ولم أفهم النكتة إلا بعد فترة؛ إذ كان الهدف منها هو اللهو، وكنت أنا أعتبر نغما ناشزا عن ذلك اللهو!
وكانت العوامة صغيرة، ولكن شرفتها العلوية كانت رحيبة، وأذكر أنني قضيت أول ليلة أترجم حتى الصباح، وعندما أشرقت الشمس كتبت أبياتا رغم أنفي وهي:
Bilinmeyen sayfa