Ömrün Vahaları: Otobiyografi: Birinci Kısım
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Türler
The Living Theatre ) وإن كانت للحاج محمود نصوص أساسية لا يكاد يخرج عنها، وكان يغير «النص» في كل مرة، وأنا أذكر له ثلاثة نصوص على الأقل يدخل فيها من التعديلات والتبديلات ما يقتضيه الموقف؛ فأولها قصته مع «أم أحمد» (أي زوجته) وكيف انقلبت عليه عندما خط الشيب رأسه، وتهدل الشعر الأبيض على جانبي رأسه، بعد أن كان كثيفا صلبا، وكنت أرقب الرجال وهم يضحكون ضحكات خافتة، كلما وصف «الشيب»، ولم أدرك إلا بعد أن تركت رشيد ما يعنيه «الشيب»، وعلى أي حال ، كان البائع ينشئ حوارا ساخنا بينه وبين «أم أحمد» ينتهي ب «لحظة تنوير» عند اكتشاف الخلطة السرية. وعندما تتهلل أسارير الرجال يقول في أسف، ولكنها غالية الثمن، وصانعها طاعن في السن لا يدفعه إلى صناعتها إلا ابتغاء مرضاة الله، «صلوا ع النبي» (فيغمغم الحاضرون بالصلاة على النبي) ولا يدفعه على بيعها إلا رغبته في أن يتمتع كل رجل ب «الستر» مع أهله، وبين الضحكات والهمهمات يخرج زجاجة صغيرة ويقول: معي أربع عينات فقط، وأنا لا أتقاضى عنها ثمنا، بل أهبها مجانا وفقا لوصية الشيخ الصالح، لكل من يشتري هذا الدواء الذي يشفي جميع الأمراض!
كانت أجمل لحظات المونودراما هي فترات الحوار مع المصلين، فكان يعرف الكثيرين منهم، ويخاطبهم بأسمائهم وبطرق بالغة الذكاء: «لا يا إبراهيم! لن أعطيك شيئا! لا تضع يدك في جيبك! أين أنت من الشيب الذي نعاني منه؟!» أو يصرخ فجأة قائلا: «زجاجة واحدة فقط! والباقي على الله! قولوا لا إله إلا الله!» فيغمغم الواقفون مهللين، ولا يلبث حتى يبيع ما لديه وينصرف!
ويبدأ ثاني هذه النصوص بإنكار أي قوة سحرية فيما يبيع من أدوية، مؤكدا أن الشافي هو الله، وينطلق بعد ذلك في رواية قصة حدثت له أو لأحد أصدقائه مع أطباء المستشفى، مؤكدا أن الطبيب لا يمكنه معرفة «ما يجري» داخل البطن، وأن «السماعة» أكذوبة، «قولوا لي بالله عليكم .. ماذا يسمع؟ إنه يتظاهر بسماع ما لا نسمعه! وما عساه يكون؟ إنه يرجم بالغيب! ورسولنا يقول كذب المنجمون ولو صدقوا! لكنه يتقاضى منك خمسين قرشا! وماذا يصف لك بعد ذلك؟ إنه لا يزيد عن الحمية - فالمعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء! ولكنني أعطيك هنا القوة التي تتغلب بها على المرض! وهي رخيصة لأنه لا يوجد وراءها تاجر جملة ولا تاجر قطاعي .. فهي من الحكيم إلى ابن الحلال!» وهكذا يوزع الزجاجات الصغيرة بعد أن ينصح شاريها بأن يأخذ منها قطرة واحدة في كوب من الماء بعد الحمام، وأن يستريح بعدها ولا يأكل ولا يتكلم حتى يشفيه الله!
والغريب أن معظم من جربوا أدوية هذا الممثل (المؤلف) يشهدون لها بالامتياز وبالقدرة على صنع المعجزات، وكان أغلى سعر يتقاضاه هو عشرة قروش، وبعد أن ينفد ما لديه يخرج «الروائح» (التي كان يسميها الأسانس، وكنت أتصور أنها تعني الجوهر، ولكن اتضح أنها تعني الزيت؛ من الفرنسية)، وكان سعر الزجاجة الصغيرة يتراوح بين قرش ونصف قرش.
أما «السيناريو» الثالث فكان أمتع هذه السيناريوهات؛ لأنه كان يتضمن حكاية شعبية، تختلف في كل مرة، ولكنها كانت تبدأ دائما بمرض بنت السلطان وحيرة الأطباء في شفائها، وكيف استطاع الشاطر حسن أو «مطاوع أمه» أو غيره من الأبطال الشعبيين أن يجد الدواء الذي يشفيها الله به؛ فالله هو الشافي، وأذكر جيدا قصة الدأراوي (الدقراوي؟) البطل الرشيدي الذي كان طوله لا يزيد على متر ونصف متر، ولكنه كان «كله عصب»؛ لأن الله كان يلهمه أسرار الدواء الصحيح! وقصته مع بطل الصعيد لا يزال يذكرها المعمرون من أبناء رشيد؛ إذ كان اللقاء بين عملاق الصعيد الأسمر وبين الدأراوي على التلال المواجهة لغيط «البيه» (أي علي بك بدر الدين) وكان حكام مباراة المصارعة قد حذروا بطل الصعيد من ارتكاب خطأ معين أثناء المباراة يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وهو رفع الدأراوي عن الأرض! وكان الدأراوي قد تناول شراب القوة الجبارة، وكاد يهزم بطل الصعيد، مما اضطر الأخير إلى رفعه في الهواء، وهنا فعل الشراب فعله، فهاج الدأراوي «ونفر عرق الغضب في قفاه»، وأمسك بساق بطل الصعيد فكسرها بين يديه، مثلما يكسر الصبي عصا صغيرة! وانتهت المباراة طبعا بإعلان تفوق الوجه البحري على الصعيد! ويختتم البائع كلامه قائلا: «ولكن ليس معي اليوم من هذا الشراب إلا زجاجة واحدة .. من المسعود؟»
كانت هذه المونودرامات عروضا مجانية، وكنت أواظب على مشاهدتها، وإذا شككت فيما يقول البائع قيل لي: اذهب إلى قهوة بلبع عند مسجد سيدي العرابي، فسوف تجد منضدة لها سطح رخامي فيه آثار أصابع الدأراوي! إذ كان من عادته أن يضرب أصابعه في الرخام صائحا «قهوة يا بلبع » .. أو «شاي يا بلبع»، فينغرس إصبعه في الرخام. وكثيرا ما قص علي القصاص مغامرات الدأراوي مع الخديوي عباس حلمي الثاني (أفندينا) وكيف رآه الخديوي وهو يرفع أعمدة المسجد بيد واحدة، وعرض عليه العمل معه في القاهرة فرفض الدأراوي. كانت هذه القصص تحدد زمانا معينا لحياة الدأراوي، وكنت أطمع في التحقق من شخصيته رغم الصعوبات؛ فالواقع أن تاريخ المسجد الذي قيل إنه شارك في بنائه معروف؛ لأنه مسجل في بيت من النظم التأريخي (أي الذي تخرج منه بالعام الهجري إذا جمعت الحروف):
شاد الخديوي مسجدا لأبي النظر
يا بخت من بمقامه لاذا
سعدوا بمقدمه فقلت مؤرخا «عباس شيد مسجدي هذا»
وهذا ما يسمى بحساب الجمل، فإذا أضفت القيم الرقمية لحروف الشطر الأخير بعضها إلى بعض خرجت بالتاريخ 1269 هجرية! أي إن بناءه كان منذ 149 سنة هجرية، أو نحو 145 سنة ميلادية؛ أي بعد وفاة محمد علي وإبراهيم باشا بقليل .. مما يوحي بأن «عباس» الذي شيد المسجد كان عباس الأول لا عباس حلمي الثاني! ولكن عباس باشا الأول لم يكن قد حصل على لقب الخديوي، وأول من حصل عليه هو الخديوي إسماعيل!
Bilinmeyen sayfa