Ömrün Vahaları: Otobiyografi: Birinci Kısım
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Türler
لم تشغلني كثيرا قصة «عبده» أثناء الأسبوع التالي؛ إذ أعاد المشرف لي الفصل الذي كنت كتبته من الرسالة، وذيله بعدة ملاحظات كان أهمها رضاه عن المنهج، ولكنه أبدى بعض التحفظات على بعض الألفاظ التي وصفها بأنها أمريكية واقترح إبدالها، فعكفت على ذلك، وأعدت طباعة الفصل على الآلة الكاتبة التي اشتريتها (مستعملة) ثم شرعت في كتابة الفصل التالي، وكان الشتاء ما يزال يقبض على الطبيعة بيد من حديد، فإذا ظهرت الشمس أسرعت إلى الحديقة أتأمل الطيور وهي تسير على ماء البحيرة المتجمد، وبعض الأشجار التي لم تنفض أوراقها وقد كسا الثلج أطرافها، وكنت سعيدا؛ لأن مرض الحساسية الذي كان يصيبني بالتهاب في الجيوب الأنفية قد رحل، وأصبحت قادرا على التنفس من جديد!
وفوجئت يوم الاثنين بشيك يصلني من الإذاعة، مكافأة إضافية عن بيع سلسلة أحاديث المغنيات العربيات إلى محطة عربية في الخليج، وكان المبلغ كبيرا (45 جنيها) فوضعته في البنك، وقررت تحقيق حلمي القديم بشراء جهاز تسجيل حتى أسمع ما أريد من الموسيقى، وكان من بين نزلاء بيت الطلاب طالب سوري لا أذكر إلا أن اسمه كان محمدا، قرر الهجرة إلى أقاربه في البرازيل، وعندما حصل على تأشيرة الزيارة عرض ما لديه من «كراكيب» (ويسميها الأغراض) للبيع، وكان من بينها جهاز تسجيل متوسط الحجم، باعه لي بخمسة وثلاثين جنيها (بدلا من 45 جنيها) ففرحت به وشغلت بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية، ثم أخبرني صديقي محمد مصطفى رضوان أن طالبا سعوديا لديه أسطوانات عبد الوهاب القديمة، ولا يملك جراموفونا، وأن علي النشار (طالب الهندسة الذي هاجر إلى أمريكا ونجح نجاحا باهرا؛ إذ اكتشف طريقة تحلية المياه بأسلوب الضغط الأسموزي) لديه مثل هذا الجهاز لكنه لا يكن له (أي للجهاز) احتراما كبيرا، فقررنا عقد أمسية عربية في غرفتي، نسمع فيها عبد الوهاب ونسجل أغانيه على شريط!
ولم نكد نبدأ الأمسية، ونبدأ في تحضير الأطعمة الشرقية، حتى وصل «عبده» وطلب الانفراد بي على الفور. وطلبت الإذن بالخروج تاركا الغرفة للأنغام ورائحة الفلافل، وخرجت مع عبده إلى قاعة الاستقبال، وانتحينا ركنا قصيا حتى لا يسمعنا أحد، وبدأ حديثه بعبارة لن أنساها أبدا: «شورتك مهببة يا عناني!» وعجبت من ذلك؛ فأنا لم أشر عليه بشيء، وإن كنت اقترحت التراجع، فهدأت روعه وطلبت منه أن يحكي لي ما حدث.
قال عبده: «ذهبنا مساء السبت إلى السينما، وشاهدنا فيلم
My Fair Lady
وكانت تستمتع هي به بينما أحاول أنا متابعة الحوار دون ترجمة على الفيلم، وبعد السينما خرجنا في البرد، فاقترحت أن نذهب إلى غرفتي (وكانت بجوار الجامعة) لكنها قالت إنها تفضل قضاء الليلة في فندق، تخيل! وقلت لها إن أهلها سوف يقلقون عليها ولكنها أصرت، وكلما أبديت اعتراضا قالت لي بلهجة قاطعة: «ألست تحبني؟» وأنت تعرف أن لغتي الإنجليزية ليست ممتازة، ولا أستطيع أن أتحدث بطلاقتك، وحاولت أن أثنيها بذكر الإيجار المرتفع للفنادق، ولكنها قالت إننا سنتقاسم جميع التكاليف، ودون أن أدري، كأنما كنت مخدرا وجدتني أوقع في كشف نزلاء أحد الفنادق، ودفعت جنيهين كاملين، وصعدنا إلى غرفة بالطابق الثالث، وقضينا الليلة فيها، وكان ما كان، ولم أنم إلا من فرط الإرهاق، وفي السابعة هبطنا إلى مطعم الفندق حيث تناولنا الإفطار، وانصرفنا.»
وبدأت في التساؤل عن الأشياء المعتادة في هذه الظروف، وفهمت من إجاباته أنها قالت إنه ليس أول رجل «تحبه» فقد سبق لها «معرفة» شاب نيجيري، وكانا على وشك الزواج لولا أن والدها رفض؛ لأن الحبيب كان كاثوليكيا، ووالدها متزمت في مسألة الدين، وهو لا يقبل إلا البروتستانت، ويفضل أتباع كنيسة إنجلترا (الإنجليكانية) وقالت له إن والدها أعد لها منزلا خاصا لأنه ثري، وهو صاحب مصنع كبير في جنوب إنجلترا، وإنها سوف تعمل فيه حالما تحصل على الدكتوراه؛ لأنه ينتج الأدوية وبه قسم للبحوث، وبإمكانها أن تسعى حتى يحصل «عبده» على عمل فيه معها، وإنها لم تكن تريد أن تخبره بذلك كله حتى تتأكد من مدى اتفاقهما الزوجي
conjugal compatibility
ولذلك أصرت على مسألة البيات في لندن بعيدا عن أهلها (الذين يقيمون في الضواحي) ولم تفصح لهم بعد عن السبب وإن كانت سوف تفعل عندما «يوافق» عبده على ذلك!
وسألته عما فعل بعد ذلك، وقد انقضى أكثر من أسبوع، فقال إنه وجد أن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو أن يلتزم الصمت؛ فقد كانت الليلة رغم كل شيء «ليلة سعيدة» وقد وجد في جيب الجاكتة مبلغ جنيهين مساهمة منها في التكاليف، ثم تسرع في لحظة طيش وهما في غرفته (إذ أصبحت تتردد عليه أثناء النهار) وأخبرها أنه مسلم! وكان في الحقيقة قبطيا (أرثوذوكسي) والواضح أنه أدى بذلك إلى غيابها يومين، وجاء الآن يسألني ما العمل؟ وقلت له كان ينبغي أن تكون صريحا معها منذ البداية، وإن الأخطاء لا تصحح بارتكاب مزيد من الأخطاء، وآن الأوان أن تعاود الصراحة وتثوب إلى رشدك وتتوب؛ فباب المغفرة مفتوح، واحزم أمرك، وفكر في مستقبلك في مصر وفي أهلك. وبدا عليه التردد، ولكنه وعد بأن يحاول جاهدا وضع حد لتلك العلاقة، وانصرف، وعدت إلى حفل عبد الوهاب وهو يوشك على الانتهاء.
Bilinmeyen sayfa