أيها الزائرون عندي لكم يأ
س يخيب الرجاء منه ويفقد
ولا يكاد الداخل يعدو الباب حتى يلقاه سهل فسيح قاتم الأعماق يسمى ردهة الجحيم، حيث تطيف به أرواح الأنانيين والكسالى والمزهوين، تلسبها النحل والزنابير الكبيرة، وهي هائمة تجري أبدا خلف علم خفاق.
هنا تنهدات وانتحابات وتأوهات عالية، صاعدة في أجواز الفضاء الموحش الذي لا نجم فيه، حتى لبكيت حين دخلت، آلام وفزع من كل جهة وبكل لسان، وصرخات مزعجة منبعثة من الألم، وصيحات غضب وأصوات مختنقة مبحوحة صادرة من أعماق القلوب، وأيد ملوحة تعبر عما أصاب أصحابها من ويل وثبور، وظلام شامل مخيم على جميع الأرجاء، وكأنما امتلأ الفضاء برمال نارية محرقة سدت جميع الأنحاء.
ثم اجتازا ذلك السهل ووصلا إلى نهر «أشيرون» نهر الأحزان، حيث رأيا جموعا زاخرة مجتمعة حول المركب الذي يستقله الذاهبون إلى الضفة الأخرى، وعلى القارب شيخ شرس ذو عينين كأنهما عجلتان من لهب وهو يسير بهم القارب، ويذيقهم من ألوان العذاب والنكال ما لا قبل لإنسان بوصفه، ويصيح فيهم قائلا: «الويل لك أيتها الأرواح الخبيثة، لا أمل اليوم ولا رجاء، ولن تروا أيها المجرمون تلك السماء التي كنتم ترونها في الدار الأولى، لقد جئت لأنقلكم إلى الشاطئ الآخر حيث تسود الظلمة الأبدية؛ لتعيشوا هناك في الزمهرير والسعير المتلظي.» (2) درك الوثنيين
ثم غرق «دانتي» في غيبوبته من الذهول - لما تولاه من الذعر والرعب - فلم يوقظه إلا دوي رعد قاصف، وما كاد ينتبه منه حتى رأى أولئك المعذبين قد وصلوا إلى الشاطئ الآخر من النهر، وثم وجد أرواح كبار رجال الوثنية الذين عاشوا عيش الخيرين، وأعوزهم أن يصطبغوا بالصبغة المسيحية - إذ لم يعمدوا - فرحب «هومر» و«هوراس» و«أوفيد» بدانتي ترحيب أفراد الأسرة الواحدة بفرد منهم.
ولما ذهب دانتي إلى الطبقة الثانية من الجحيم - أو الدرك الثاني - وجد فيها «مينوس» قاضي النار؛ وهو مخلوق عظيم الجسم على صورة إنسان له وجه كلب، وثم وجد عذاب آثمي الحب تذروهم ريح عاتية؛ فتقذف بهم كما تقذف بالطير في أجواء الفضاء.
ورأيا - فيما رأياه - «سميراميس» و«كليوباطرة»، كما شاهدا - على الخصوص - «فرانشسكا راميني» ومحبها «باولو» اللذين كتب لحادثتهما الخلود: تلك الحادثة التي قصتها «فرانشسكا» على دانتي، فأبانت له فيها كيف باغتها زوجها مع عشيقها فقتلهما معا.
ورأى دانتي - في الدرك الأسفل من النار - جماعة من ذوي البطنة والنهم منغمسين في الوحلن، ينصب عليهم سيل هتون من الثلج والبرد والماء القذر، ورأى «تشوبروس» أحد الزبانية ذا الصورة الكلبية الهائلة يعوي ويزمجر عليهم وعيناه تقدحان شررا، وأنيابه الحادة تقطع أجسامهم وتمزقها إربا إربا بعنف وقسوة. (3) مدينة الشيطان
وفي أول الدرك الرابع رأى دانتي فيه «بلوتوس» إله الثروة يحرس الدرك الذي جمع فيه المسرفون والبخلاء. (وهنا وصف دانتي عذاب هؤلاء وصفا رائعا لا يحتمل المقام ذكره.)
Bilinmeyen sayfa