أبو العلاء
ألف أبو الفرج كتابه الأغاني لغرض خاص هو إثبات المائة الصوت التي اختارها المرشد، ثم جره ذلك إلى الاستطراد، فذكر من الطرف والبدائع شيئا كثيرا حتى أصبح كتابه كنزا من كنوز الأدب العربي لا مثيل له.
فإذا أغفل أبو الفرج التنويه بشاعر فحل كابن الرومي، فهل نجد من يحتج له بهذا العذر، وأية دهشة تتملكنا، بل أية حيرة تملأ نفوسنا حين نجيل البصر في هذه المجلدات الضخمة التي تؤلف دائرة معارف أدبية نادرة، فنرى مؤلفها الذي أغفل ابن الرومي قد استطرد أكثر من ألف مرة إلى ذكر من يستحق الذكر ومن لا يستحقه والتنويه بشعراء - إن أجللناهم مرة - نزهنا ابن الرومي عن أن يوضع معهم في ميزان أو يقاس إليهم بمقياس، ورأيناهم - إلى جانبه - أقزاما أمام عملاق!
فإذا زعم زاعم أن شعر ابن الرومي لم يغن به، قلنا له: هذه «مسألة فيها نظر» وليس لدينا الآن ما ندحض به زعمه، فإن أخبار ابن الرومي لم يصلنا منها شيء يذكر، وقد أجمع المؤرخون - أو كادوا يجمعون - على إغفال هذا الشاعر العظيم كما تعمد أبو الفرج أن يغفل ذكره إغفالا يكاد يكون تاما، في حين أنه ملأ الدنيا بأخبار البحتري الذي كان يعاصر ابن الرومي، وأخبار أبي تمام أستاذ البحتري وكثير من معاصريهما، وغيرهم من المشهورين كأبي نواس ودعبل ... إلخ، وقد عني أبو الفرج - في غير كتابه الأغاني - بدواوين من يحبهم من الشعراء؛ فجمع ديواني أبي تمام والبحتري، ورتب ديوان كل منهما على الأنواع - لا على الحروف - كما عني بجمع ديوان أبي نواس!
وتعمد الإغفال ظاهر، فإن أبا الفرج لم يذكر ابن الرومي في كتابه (الأغاني) إلا مرتين، وكأنه لم يذكره إلا ليسيء إليه بدلا من أن يشيد بذكره.
فقد ذكره في الموضع الأول؛ بمناسبة انتحاله بيتا من الشعر لإبراهيم بن العباس،
2
وذكره في مكان آخر من الكتاب؛ بمناسبة نكبة سليمان بن وهب وابنه
3
ليظهر لنا بمظهر الشامت وكلا الموقفين لا يشرف صاحبه.
Bilinmeyen sayfa