ولكن العالم سيشهد قبل هذه الخاتمة مصرع القمر، وسيجتمع الناس مسرعين إلى قلل الجبال، وكل مرتفع من الأرض؛ ليشاهدوا هذا القمر الذي أدركه الفناء وأسلمته شيخوخته إلى الوهن والضعف، وثم يرونه هاويا بددا في أجواز الفضاء إلى حيث لا رجعة له ولا عود، وسيكون انفجاره شبيها بانفجار قنبلة عظيمة، ثم تبطل جاذبيته - بعد فنائه - ولا نعود نرى مدا ولا جزرا؛ وتصبح الليالي دائما وأبدا حالكة الظلام، ليس فيها من النور إلا بصيص ضئيل منبعث من النجوم لا يكاد يضيء سناه شيئا:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
وإذ ذاك ينقطع عن الشعراء مصدر من مصادر الوحي والإلهام، ويغيض ينبوع فياض من ينابيع الشاعرية السامية، ولا يعود القمر إلا ذكرى تاريخية، وأثرا يتحدث به الناس وأعقابهم ويروون مصرعه كما تروى الأخبار والأحاديث!
ثم تمر عصور أخرى وتجيء أمم متعاقبة كثيرة لا تعد، يشهد الناس بعدها منظرا آخر لا يقل روعة عن سابقه؛ ذلك هو مصرع المريخ بنفس الطريقة التي أسلفناها في ذكر القمر، ثم يذهب المريخ شذر مذر في أجواز الفضاء اللانهائي.
ثم تمر عصور وأجيال عدة إلى أن يحين موعد فناء العالم الأرضي، وتمر ملايين أخرى من السنن ثم يحين مصرع الشمس بنفس الطريقة، وعلى هذا الأسلوب. وكذلك يصير كل شيء إلى فناء
ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .
هذه هي خلاصة النظرية الغريبة التي نقدم بها الدكتور «ونسمور ألتر» حديثا إلى الناس ، والدكتور من كبار رجال العلم وأساطين الفلك، وهو رئيس الجمعية الفلكية بجامعة «كانساس» وهذه النظرية وليدة دراسة عميقة واسعة استمرت خمسة عشر عاما قضاها الدكتور باحثا مدققا بين اختبارات فلكية وتجارب علمية، واستعانات بكل معدات البحث العلمي والفلكي الحديثة! فقد رأى من دراسة الكواكب الصغيرة والنجيمات والنيازك أن صغرها يدعو لقصر أعمارها، وتبديدها في الفضاء متى حانت ساعتها، ورأى أن السبب في إبادتها هو - بعينه - السبب في إبادة ما هو أكبر منها، بعد أن يمضي عليها عمر أكبر من تلك يتناسب مع عظم حجمها، وإنما أيقن بصحة نتائجه؛ لأنه رأى هذه وتلك جميعا من عنصر واحد، ورأى أثر الزمن، ومرور الأجيال، وتعاقب الدهور عليها ينتج نفس الأثر الذي أسلفنا ذكره. فيبدو واضحا في صغار الكواكب، والأجرام السماوية، ويقل ظهوره كلما عظم الكوكب! (1) الكوكب المفقود
وقد شاهد أجراما تهوي متساقطة قطعا عدة مختلفة الأحجام، بعضها لا يزيد على حجم الكرة، في حين يبلغ الآخر سعة مدينة بأسرها!
ويعلل الدكتور هذه النيازك والشهب الساقطة التي تراها هاوية من السماء بأنها بقايا عالم بائد، ربما كان فناؤه منذ ملايين من السنين؛ أي قبل أن يخلق الإنسان الأول بعصور وأجيال لا تحصى، والدكتور يقرر أن هذه الشهب دليل لا سبيل إلى الشك في صحته، وصحته على وجود أمثلة.
Bilinmeyen sayfa