صلى الله عليه وسلم
ما يجزئك.
أما المستضعفون من أصحاب النبي من قريش ومن غير قريش فلم يخف عمر منهم، ولم يخف عليهم فتنة، فخلى بينهم وبين ما أرادوا من الجهاد وما ابتغوا من فضل الله. وكذلك انطلق بلال وأبو ذر وابن مسعود إلى الشام، وانطلق غيرهم إلى العراق، وأقام في المدينة من أمسكه ضعف الجسم أو أمسكته سياسة عمر، وأقبل خباب بن الأرت ذات يوم مسلما على عمر ومستأذنا في أكبر الظن في اللحاق بجيش من جيوش العراق، فيهش له عمر ويستدنيه، ويجلسه على متكئه، ويقول: ما على الأرض أحد أحق منك بهذا المجلس إلا رجلا واحدا.
فيقول خباب: من هو يا أمير المؤمنين؟
قال عمر: بلال. وروى بعضهم أنه قال: عمار بن ياسر.
قال خباب: ما هو بأحق مني، لقد كان له من قريش من يمنعه ويقوم دونه، فأما أنا فلم يكن لي أحد، ولقد رأيتهم ذات يوم أخذوني، ثم أوقدوا لي نارا فسلقوني فيها، ثم يقبل رجل فيضع رجله على صدري، فوالله ما اتقيت برد الأرض إلا بظهري، ثم يرفع رداءه ليرى عمر ما بقي في ظهره من آثار العذاب، وينظر عمر وينظر من حضر من المسلمين، فيرون شرا مروعا؛ يرون أن ظهره قد برص.
لم تمنعه الفتنة من أن يشهد مع رسول الله بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها، ثم لم يكفه ذلك حتى أبى إلا أن يجاهد، كأنه رأى أنه لم يلق في سبيل الله مع هذا كله ما ينبغي أن يلقى من الجهد والمشقة والعناء. وقد انحدر إلى العراق فغزا مع الغازين، وجاهد مع المجاهدين، ورابط في الكوفة حتى أدركته الشيخوخة واشتد عليه الداء، وأقبل نفر من أصحاب رسول الله يعودونه، وقد اكتوى في بطنه سبع كيات وبرح به الألم كل تبريح، فلما دخلوا عليه رأوا رجلا مروعا قد ملك الخوف والحزن عليه أمره، يقول لعواده من أصحاب النبي: لولا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
نهانا أن نتمنى الموت لتمنيته، ثم يسكت صوته، ويسكن جسمه، وتنهل دموعه على وجهه غزارا.
فيعزيه عواده من أصحاب النبي يقولون له: أبشر أبا عبد الله، إخوانك فلان وفلان وفلان، تقدم عليهم غدا. فيغرق في البكاء حتى ما يستطيع كلاما، ثم يثوب إليه شيء من هدوء، فيقول في صوته الضعيف النحيف المتقطع: أما إنه ليس بي جزع، ولكن ذكرتموني أقواما وسميتموهم لي إخوانا، وإن أولئك مضوا بأجورهم كما هي، وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم. ثم تأخذه غشية تكف لسانه عن النطق حتى يظن أنه قد قضى أو كاد، ثم يرد إليه شيء من حياة فينظر فإذا كفنه قد أحضر، وإذا هو من قباطي، فيبكي ويقول: لكن حمزة عم النبي
Bilinmeyen sayfa