المرتبة الثانية: مرتبة التصديق بذلك واليقين؛ وذلك بالنظر إلى ظهور أثر على هذه الحديدة نحو احمرارها.
المرتبة الثالثة: مرتبة اليقين؛ وذلك عندما أقرب إليها يدي فأشعر بحرارتها.
وشدة الاطمئنان وضعفه في هذه المعالم الثلاث يعود إلى أحد الأمور الثلاث:
الادراك المباشر بالأمر المعروف؛ كمعرفة أن محمدا في الدار لأنني رأيته في الدار، أو معرفة حرارة النار لأني لمستها أو اقتربت منها.
قوة الدليل على صحة المعروف؛ نحو الدليل المذكور في المثال فإن ظهور تغير على الحديدة، يدل على حرارتها أكثر من وجودها بقرب النار.
العلم أو الجهل بما يهدم أساس المعرفة: نحو الذي يرى النار بالقرب من النار، ولكنه لا يعلم أنها موضوعة فوق صندوق للثلج. فالعلم بحرارة الحديدة، سيختلف بين من يعلم وجود الثلج، وبين من لا يعلم وجوده.
فمن بنى اطمئنانه على أساس دليل قوي ومتين، عارفا بكل الإشكالات الواردة على صحة معرفته، وعارفا بما ينقض تلك الإشكالات، يكون اطمئنانه شديدا تزول الجبال ولا يزول(1).
ومن يبنيها عارفا بالدليل، جاهلا بالإشكالات، فهذا اطمئنانه قد يكون في ظاهر الأمر كاطمئنان الأول، إلا إنه في الواقع ليس كذلك؛ لأن أدنى إشكال قد يزعزع اطمئنانه، لولا معرفته بالدليل التي تثبت قدمه.
ومن يبنيها بغير دليل، جاهلا بما يشكل، يتزعزع مع أول إشكال، ولا يثبته إلا التعصب لما هو عليه.
وهناك من يبنيها بغير دليل معتبر، عالما بالإشكالات؛ فهو المتعصب الذي يتبع هواه، ولا يريد معرفة الحقيقة كما هي.
Sayfa 12