إننا في حالة العطف نتمثل شعور الغير في أنفسنا. ولكن ليس للعطف من سبيل إلى قلوب الأطفال حتى يكونوا قبل ذلك قد عرفوا مدلول كثير من علامات الألم والحزن والسرور وهلم جرا، ولا بد لهم لمعرفة هذه العلامات أن تكون هذه الإحساسات قد قامت في أنفسهم. ومن هنا يرى استحالة قدرة الطفل الصغير على مشاركة رجل كبير في عواطفه؛ لأنه لا يدركها.
هذا وإذا أمكن إغراء الطفل أن يقسم لعبه بينه وبين طفل آخر ففي هذا أول مظاهر العطف الناشئ في الفؤاد.
إذا دخل الطفل المدرسة لأول مرة فإن غرضه من العمل الحصول على ثناء معلمه، وهذا باعث ذاتي أناني، ولكن إذا نشأ العطف بين التلميذ والمعلم فإنما يكون اجتهاده وحفظه دروسه ليرضي معلمه. وهذا شعور لا شخصي فضلا عن أنه شعور أرقى بكثير من مجرد حب الثناء.
فلكي ينشأ العطف بين المعلم وبين الأطفال الذين وكل إليه أمرهم، ولاستبقاء هذا العطف؛ يجدر بالمعلم أن يظهره لهم، وذلك بمشاركتهم في مساءاتهم ومسراتهم على السواء. بذلك يحصل على ما يريد منهم من مشاركتهم إياه في رغباته.
هذا ويجب على المعلم عند المعاقبة والإثابة أن لا ينسى أثر العطف.
نعم إنه يستحيل غض النظر عن الإحساسات الدنيا التي في الأطفال، ولكن يؤثر أن يكون الجزاء في فرق الأطفال الذين هم أكبر من السابقين سنا، بألفاظ المدح والثناء لا بالمكافآت المادية وإلا ظن الطفل أن قيمة المكافآت المادية أعلى من صواب الفعل الذي من أجله منحت هذه المكافأة. ويحسن أن لا يعتاد المعلم منح «درجات» لكل درس من الدروس وإلا اعتاد التلميذ العمل لمجرد الحصول على شيء من الجزاء أو المكافأة، وهناك تنشأ المنافسة والمباراة، وكلتاهما قاضية على خلة العطف.
ولما كان تألم الإنسان لآلام غيره أسهل من سروره لما يناله من السرور؛ فإنه يصعب أن يسر المعلم الغرفة بأجمعها بمنحه واحدا منهم مكافأة. فلا يصح أن يكون منح المكافآت محاباة من المعلم أو سواه، بل يجب أن تمنح من أجل المواظبة ولمن يكون من الأطفال قد آذن بترك المدرسة وكان قد أحسن العمل فيها .
ولهذا السبب أيضا لا تصح معاقبة طفل أمام قرنائه في الفرقة وإلا فإنهم إن انصرفوا لحظة عن التفكير في الذنب الذي من أجله يعاقب قرينهم ضاع أثر العقاب من نفوسهم بعطفهم عليه.
عطف الجماعة
أفعال أي شخص تتأثر بأفكار من يحيطون به وبأفعالهم. والأطفال على وجه التخصيص ميالون إلى التقليد. فالطفل في المدرسة يفعل ما يفعله إخوانه. فإذا كانوا ملتفتين أو مطيعين كان ذلك، والعكس بالعكس. فأما إذا لم يفعل كما يفعلون فإنه يخرج بذلك من حيز مشاركتهم ويعتزلهم ويصبح في نفسه كيانا مستقلا بذاته، وهو أمر لا يخفى عن إخوانه فينبرون من أجل ذلك إلى اضطهاده والسخط عليه.
Bilinmeyen sayfa