ولو رحلنا جنوبا نحو جزيرة العرب، فسنجد الجاهليين يسمون الثعبان الكبير شيطانا، ويقال في بعض التفاسير إن هذا المعنى هو المقصود من
طلعها كأنه رءوس الشياطين (الصافات: 65). كذلك نجد في الإسلام حديثا منسوبا للإمام «علي» يقول: «قلت: يا رسول الله
فتلقى آدم من ربه كلمات (البقرة: 37) فما هي الكلمات؟ قال: يا علي إن الله أهبط آدم بالهند، وأهبط حواء بجدة، والحية بأصبهان، وإبليس بميسان، ولم يكن في الجنة شيء أحسن من الحية والطاووس، وكان للحية قوائم كقوائم البعير، فدخل إبليس في جوفها فغر آدم وخدعه، فغضب الله على الحية وألقى عنها قوائمها، وقال: جعلت رزقك التراب وجعلتك تمشين على بطنك، لا رحم الله من رحمك.»
37
وذلك مما يذكرنا بإبليس في العقائد القديمة كطاووس للملائكة وكحية.
ويفصل لنا «النيسابوري» أكثر فيقول: «إن إبليس أراد أن يدخل الجنة ليوسوس لآدم وحواء، فمنعه الخزنة من ذلك، فذهب إلى الطاووس، وكان - سيد طيور الجنة - يتحايل عليه ليدخله الجنة، فدله على الحية لأنها أقدر على ذلك، وكانت من خزان الجنة، وكانت صديقة لإبليس، فأدخلته في فمها ومرت به على الخزانة وهم لا يعلمون فأدخلته الجنة.»
ويصور لنا «الثعلبي» العقاب الإلهي الذي نزل بالمتآمرين الثلاثة «إبليس والطاووس والحية» بقوله: «إن الله أنزل إبليس بالأبلة من أرض العراق وهي البصرة، وقيل ميشان، والحية بأصبهان، والطاووس بأرض بابل، ومسخ صورة إبليس فصيره شيطانا، بعد أن كان ملاكا، وعاقب الحية بخمسة أشياء، قطع قوائمها وأمشاها على بطنها، ومسخ صورتها بعد أن كانت أحسن الدواب، وجعل غذاءها التراب، وجعلها تموت كل سنة بالشتاء (لاحظ تفسيره لمسألة البيات الشتوي) وجعلها عدوة لبني آدم وهم أعداؤها، حينما يرونها يقتلونها.»
38
ولعله قد بات واضحا في كل ما سردناه حتى الآن تأثر العقيدة المسيحية والعبرية بالأساطير الرافدية القديمة، إذ لم تزل مصورات الحية بقوائمها إلى اليوم قائمة، ونقوش عدة لإله الخير وهو يقطع هذه القوائم، ونقوش أخرى تجمع في تصويرها ما بين الطاووس والحية والتيس وإله الخير يصرعه، بل إن إيعاز الحية لآدم وحواء في القصص الديني، يجد له صدى وترجيعا واضحا في الآثار السومرية بعد أن عثر الباحثون على نقش سومري يعود تاريخه إلى الألف الثالثة قبل الميلاد (قبل ظهور اليهودية بقرون طويلة) يصور ذكرا وأنثى يتناولان ثمرة من نخلة، وخلف حواء تدلت حية في وضع يوحي بالصورة نفسها التي جاءت بعد ذلك في القصص الديني لتؤكد مقولة «العقاد»: «إن التطور في الديانات محقق لا شك فيه.»
لوحة رقم 1: «فن رافدي» يمكننا أن نلاحظ في هذه اللوحة الفنية إله الخير على اليمين (لاحظ الأجنحة والريش الذي أصبح من مواصفات الملائكة في مراحل تالية)، يصارع إله الشر ممثلا في هيئة تجمع كل مواصفات إله الشر (القرون، جسم الحية المغطى بالحراشف، ذيل الطاووس، القوائم، والأجنحة تذكيرا بأصله الإلهي أو عنصره الملائكي).
Bilinmeyen sayfa