164

Efsane ve Miras

الأسطورة والتراث

Türler

1

وهكذا توقف «ابن كثير» عن التفسير، واقتصر على مجرد التلاوة، لما وجده في التفسيرات من نكارات متلقاة من الإسرائيليات، وربما كانت هذه النكارة تعود بأصلها إلى ما جاء في كتاب العبريين المقدس - أصحاب القصة والمملكة ورعية «سليمان» - حول اختلاف «سليمان» مع أخيه الأكبر «أدونيا» حول العرش، وما قام بينهما من صراع استند فيه «أدونيا» إلى مبدأين شرعيين: الأول هو كونه الابن البكر صاحب الحق في الملك والميراث حسب الشريعة العبرية، والثاني أنه كان يحوز تأييدا شعبيا وجماهيريا هائلا، وتمكن «سليمان» بمعاونة أمه من اغتصاب الحكم من صاحبه الشرعي، ثم جاء الخلاف الذي قطع آخر العرى بين الأخوين، وكان حول امرأة، وانتهى بأن أمر «سليمان» بذبح أخيه الأكبر؛ ومن ثم وجب كشف الأستار عن الرواية كما جاءت بكتابها، حتى تكشف لنا النكارة، ثم نتبعها برواية القرآن الكريم، وما جاء في الأثر التراثي الإسلامي، إزالة للبس، ودحضا للنكارة.

وخبر مقتل «أدونيا» على يد أخيه «سليمان» أو بأمر منه، جاء تفصيله في سفر الملوك الأول، وهو السفر الذي يحوي أهم أخبار الملك «سليمان»، الذي سنكتفي بالإشارة إلى رقم الإصحاح فيه عند الاستشهاد بمحتوياته، ويروي السفر هذا الخبر بقوله:

وجلس سليمان على كرسي داود أبيه وتثبت ملكه جدا. ثم جاء أدونيا ابن حجيث (أمه) إلى بتشبع أم سليمان. فقالت: أللسلام جئت؟ فقال: للسلام. ثم قال: لي معك كلمة، فقالت: تكلم. فقال: أنت تعلمين أن الملك كان لي، وقد جعل جميع إسرائيل وجوههم نحوي لأملك، فدار الملك وصار لأخي؛ لأنه من قبل الرب صار له. والآن أسألك سؤالا واحدا فلا ترديني فيه، فقالت له: تكلم. فقال : قولي لسليمان الملك - لأنه لا يردك - أن يعطيني أبيشج الشونمية امرأة. فقالت بتشبع: حسنا ، أنا أتكلم عنك إلى الملك. فدخلت بتشبع إلى الملك سليمان لتكلمه عن أدونيا ... وقالت: إنما أسألك سؤالا واحدا صغيرا لا تردني. فقال لها الملك: اسألي يا أمي لأني لا أردك. فقالت: لتعط أبيشج الشونمية لأدونيا أخيك امرأة. فأجاب الملك سليمان وقال لأمه: ولماذا أنت تسألين أبيشج الشونمية لأدونيا، فاسألي له الملك لأنه أخي الأكبر مني ... وحلف سليمان الملك بالرب ... والآن هو الرب الذي ثبتني وأجلسني على كرسي داود أبي، والذي صنع لي بيتا، كما تكلم، إنه اليوم يقتل أدونيا. فأرسل الملك سليمان بيد بنايا هو بن يهويا داع، فبطش به، فمات. (ص2)

وسفر الملوك الأول الذي وردت به هذه القصة، هو السفر نفسه الذي استفاض في الحديث عن مجد «سليمان» وحكمته وعظمة ملكه؛ مما يشير إلى أنه لم يقصد للملك إساءة، بقدر ما قصد الإشادة بمحبة الله لسليمان، التي دعت لتفضيله على «أدونيا» أخيه، وتمكينه من العرش رغم فعلته. وقد دعت استفاضة هذا السفر في تمجيد المملكة السليمانية الباحث الإسلامي الموسوعي «الدكتور أحمد شلبي»، إلى الاقتباس من موسوعة «ويلز» «معالم تاريخ الإنسانية» قولا له أهميته ومغزاه، وهو «أن قصة ملك سليمان وحكمته التي أوردها الكتاب المقدس، تعرضت لحشو وإضافات على نطاق واسع، على يد كاتب متأخر شغوف بالمبالغات. وقد استطاعت هذه الرواية أن تحمل العالم المسيحي، بل والإسلامي، على الاعتقاد بأن الملك سليمان كان من أشد الملوك عظمة وأبهة، وقد أسهب سفر الملوك الأول في تصوير مجد سليمان وأبهته وفخامته، ولكن الحق أنه إذا قيست منشآت سليمان، بمنشآت تحتمس الثالث أو رمسيس الثاني أو نبوخذ نصر، فإن منشآت سليمان تبدو من التوافه الهينات ... وكانت مملكة سليمان رهينة تتجاذبها مصر وفينيقيا، وترجع أهميتها في معظم أمرها إلى ضعف مصر المؤقت ... فسليمان وهو في أوج مجده لم يكن إلا ملكا صغيرا تابعا، يحكم مدينة صغيرة، وكانت دولته من الهزال وسرعة الزوال، بحيث إنه لم تنقض بضعة أعوام على وفاته، حتى استولى شيشنق أول فراعنة الأسرة الثانية والعشرين على أورشليم.»

2

الملك والحكمة

ورغم مبالغات السفر المذكور، فإنه بخلاف حديث الملوك الأربعة، لم يخرج بحدود مملكة «سليمان» عن منطقة فلسطين الحالية «وكان سليمان متسلطا على جميع الممالك، من النهر إلى أرض فلسطين، وإلى تخوم مصر» (ص4). أما عن حكمته وعظمته، فيقرر الكتاب المقدس أنه أعطيهما بناء على دعائه ربه، وكان رد الرب عليه «هو ذا قد فعلت حسب كلامك، هو ذا أعطيك قلبا حكيما ومميزا، حتى إنه لم يكن مثلك قبلك، ولا يقوم بعدك نظير ... فتعاظم الملك سليمان على كل ملوك الأرض، في الغنى والحكمة ... وفاقت حكمة سليمان حكمة كل بني المشرق، وكل حكمة المصريين (لنلاحظ الأثر النفسي لذكرى أيام الاستعباد في مصر، ووجوب تفوق سليمان عليهم) فتكلم بثلاثة آلاف مثل، وكانت نشائده ألفا وخمسا، وتكلم عن الأشجار من الأرز التي في لبنان إلى الزوفا النابت في الحائط، وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك، وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان، من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته» (ص3، 4، 10).

وأول ما نلاحظه حول حدود المملكة، أنه ما كان لها وقد نبتت كدويلة بالأمس، وما كان لملك ناشئ، أن يصل بسلطانها إلى النهر «الفرات» وقت السيادة الآشورية وما أدراك ما الآشوريون، أو أن تتجرأ الدويلة فتتبسط في ممارسة السلطان على تخوم مصر وما أدراك ما الفراعين، وما كان لها أن تطال لبنان. بينما يقول السفر نفسه: إن سليمان كان يدفع لحيرام ملك صور وصيدا إتاوة سنوية «وأعطى سليمان حيرام عشرين ألف كر حنطة، وطعاما لأهل بيته، وعشرين كر زيت، وهكذا كان سليمان يعطي حيرام سنة فسنة» (ص5).

والملاحظة الثانية، هي أن حكمة «سليمان» تمثلت في ثلاثة آلاف مثل، وشعر حكمي تضمن حديثا عن الشجر والطير والسمك والدبيب (أي النمل)، وتحتويه أسفار أخبار الأيام الثاني والأمثال ونشيد الإنشاد، وربما كان في الأصل العبراني للكتاب إصحاحات تحتوي على شيء يشبه كتاب «بيدبا» «كليلة ودمنة»، الذي يحوي أمثلة حكمية وضعها مؤلفها على ألسنة الحيوان والطير والهوام. أما الملحوظة الثالثة، فهي حول الأصل العبراني للكتاب المقدس، الذي كتب بلغة بدائية، بحروف غير صائتة، وساكنة، قبل تصويتها وتحريكها قياسا على اللغة الآرامية، وهو ما يمكن أن يحدث خلطا في فهم النصوص، وخاصة في الحروف، مثل حديثه «عن» الأشجار والحيوان والنمل، والتي يمكن في الحال القديمة فهمها أنها حديث «إلى» و«مع».

Bilinmeyen sayfa