قال الواقدي: ورأينا أهل العلم يقولون: كل من رأى رسول الله ﷺ وقد أدرك الحلم فأسلم، وعقل أمر الدين ورضيه، فهو عندنا ممن صحب رَسُول اللَّهِ ﷺ ولو ساعة من نهار، ولكن أصحابه على طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام.
وقال أحمد بن حنبل: أصحاب رسول الله ﷺ كل من صحبه شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه، وقال محمد بن إسماعيل البخاري: من صحب رَسُول اللَّهِ ﷺ أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.
وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب [١]: لا خلاف بين أهل اللغة في أن الصحابي مشتق من الصحبة وأنه ليس مشتقا على قدر مخصوص منها بل هو جار على كل من صحب قليلا كان أو كثيرا، وكذلك جميع الأسماء المشتقة من الأفعال ولذلك يقال: صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة، فيوقع اسم الصحبة لقليل ما يقع عليه منها وكثيره، قال: ومع هذا فقد تقرر للأمة عرف، أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن، كثرت صحبته، ولا يجيزون ذلك إلا فيمن كثرت صحبته، لا على من من لقيه ساعة أو مشى معه خطا، أو سمع منه حديثا فوجب لذلك أن لا يجرى هذا الاسم إلا على من هذه حاله، ومع هذا فان خبر الثقة الأمين عنه مقبول ومعمول به، وإن لم تطل صحبته ولا سمع منه إلا حديثا واحدا، ولو رد قوله أنه صحابى لرد خبره عن الرسول.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي: لا يطلق اسم الصحبة إلا على من صحبه، ثم يكفى في الاسم من حيث حيث الوضع الصحبة ولو ساعة، ولكن العرف يخصصه بمن كثرت صحبته.
قلت: وَأَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ على ما شرطوه كثيرون فان رسول الله شهد حنينا ومعه اثنا عشر ألفا سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنقذوا حريمهم وأولادهم، وترك مكة مملوءة ناسا، وكذلك المدينة أيضا، وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين، فهؤلاء كلهم لهم صحبة، وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع، وكلهم له صحبة، ولم يذكروا إلا هذا القدر، مع أن كثيرا منهم ليست له صحبة، وقد ذكر الشخص لواحد في عدة تراجم، ولكنهم معذورون، فان من لم يرو ولا يأتى ذكره في رواية كيف السبيل إلى معرفته!.
وهذا حين فراغنا من الفصول المقدمة على الكتاب، ثم نخوض غمرته فنقول:
نبدأ بذكر سيدنا رسول الله ﷺ تبركا باسمه، وتشريفا للكتاب بذكره المبارك، ولأن معرفة المصحوب ينبغي أن تقدم على معرفة الصاحب، وإن كان أظهر من أن يعرف.
لقد ظهرت فما تخفى على أحد ... إلا على أحد لا يعرف القمرا
لكن الأكثر يعرفونه جملة فارغة عن معرفة شيء من أحواله، ونحن نذكر جملا من تفاصيل أموره على سبيل الاختصار، فنقول وباللَّه التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل:
_________
[١] هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب، المعروف بالباقلاني، المتكلم المشهور. توفى سنة ٤٠٣.
1 / 19