فانفرد أبو عبيدة بالشيخ واستخبره الخبر. فعلم منه أن ضرارا وعمر بن معدي كرب قد تبارزا في ذلك الصباح، وكاد يجري دم أحدهما لولا دخول بعض المسلمين بينهما، وسبب ذلك: أن عمر بن معدي كرب كان يطلب نقل الشيخ أبي أستير إلى خيمته من خيمة ضرار وضرار يأبى ذلك. فسأل أبو عبيدة الشيخ: وأنت في أي الخيمتين تريد الإقامة؟ فأجاب الشيخ مضطربا: أما أنا فإنني أستأذن في السفر أيها الأمير، فإن ابنتي في اعتلال شديد، وقد سهرت طول الليلة عليها. فقال أبو عبيدة: متى شئت فارحل، وإذا منعك أحد فأخبرني لكن قبل رحيلك ينبغي أن تدخل معنا غدا إلى بيت المقدس؛ لتكون دليلنا فيها.
ثم ذهب أبو عبيدة وهمس بضع كلمات في أذن عمر. فأنغض الإمام رأسه وقال: «إنهن فتنة للعالمين» وبعد ذلك دفع أبو عبيدة «الرق السري» إلى الشيخ وقال له: ترجم لنا هذا الرق، واكتب ترجمته على رق آخر، وادفعهما إلينا ثم عد من حيث أتيت.
فأطاع الشيخ وفعل ذلك، ثم عاد مسرورا بأنه سينقذ ابنته من مخلبي أسدين.
ولكن الشيخ كان يتساءل وهو خارج من خيمة الإمام بقوله: ترى من هو صاحب هذا الاقتراح الغريب الذي يسقط آمالنا في مملكتنا، وبقي يفكر في ذلك طول الطريق.
أما عمر فبعد خروج الشيخ تناول ترجمة الرق باهتمام وصار يتلوها، وكان تارة يبتسم في أثناء تلاوتها وطورا يعبس، ولما أتى عليها أعاد النظر فيها، ثم بعد فراغه منها ألقاها إلى أبي عبيدة وهو يبتسم فتلاها أبو عبيدة، ثم نظر إلى عمر مدهوشا. فضحك عمر ، وقال: مزق الترجمة يا عامر، وسأرد الأصل إلى صاحبه. •••
وبما أننا قد عدنا إلى أستير بعد التفاصيل الطويلة التي تقدمت، فيجب أن نذكر ما جرى لها بعد دخول إيليا إلى المدينة.
بقيت أستير تنتظر إيليا في ذلك النهار حتى جن الليل، ولما أبطأ ظنت أنه ذهب إلى خيمة الأمير عمرو بن معدي كرب حسبما طلب الأمير. فنامت تلك الليلة مضطربة، وقد رأت في الحلم في تلك الليلة أن إيليا جاث أمامها يعيد لها التصريح بحبه. فانتبهت في الصباح وقد زاد حبها له.
لكن في الصباح لم يأت إيليا.
فلما تعالت الشمس ولم يأت إيليا أيضا ازداد قلق أستير، وكان أرميا يكثر التردد عليها وينظر إليها نظرات خصوصية لم تفهم معناها، وكان كأنه يقول لها بتلك النظرات: «لقد أبعدته عنك إلى الأبد». فلما انتصف النهار ولم يأت إيليا أيضا قالت أستير لأرميا: يا كيريه أرميا أين ذهب كيريه إيليا هل بات الليلة عند عمرو بن معدي كرب؟ فابتسم حينئذ أرميا ابتسامة شيطانية، وقال: كلا أيتها السيدة. إن كيريه إيليا قد رحل إلى المدينة.
فأجفلت أستير لهذا الكلام، وشعر أرميا ببغتتها، فقال ليجهز على آمالها: والأرجح عندي أيتها السيدة أنه لا يعود؛ لأنه ودعني وداع فراق طويل.
Bilinmeyen sayfa