انظر يا بني، إنها منذ الصباح لا تفارقها نوبة إلا وتقع في نوبة، وكلما تكاد تصحو يشتد هياجها فتلطم وجهها وتقطع شعرها، وفي إحدى المرات عرفتني فصاحت صياحا شديدا، وصرفت عني وجهها نائحة معولة، وهي في أثناء كل ذلك تنادي «إيليا إيليا» وتقص على غير وعي كل ما جرى لك معها. فيخيل لسامعها والناظر إليها أنها فقدت عقلها. فيا ولدي الكريم، ليس لي ولأمها في الأرض أحد نهتم به ويهتم بنا غير هذه الفتاة. فهي شمس آمالنا وعصا شيخوختنا. فساعدنا على تسكين أعصابها ورد عقلها إليها يكن لك الأجر والثواب عند الله والناس.
وإن القلم ليعجز عن وصف ما قام في نفس إيليا في أثناء هذا الكلام. فمد يده وأخذ بيد الشيخ، وقال: هلم بنا إليها.
فدخل الشيخ وإيليا إلى الفندق يقصدان غرفة أستير.
ولم يفتحا باب الغرفة ليدخلا منه حتى انتصب في وجهيهما شبح امرأة وضعت أصبعها على شفتيها وأشارت إليهما بالرجوع. فوقف إيليا والشيخ في مكانهما ولم يدخلا، وصاح إيليا بدهشة: السيدة تيوفانا.
فخرجت تيوفانا وأغلقت الباب، ثم سلمت على إيليا، وقالت: يا كيريه إيليا، لا يمكن أن أتركك تدخل على الفتاة الآن؛ لأنني أخشى عليها من البغتة، وفضلا عن ذلك فهي الآن راقدة، وهذه أول مرة رقدت فيها واستراحت منذ إغمائها.
فشعر إيليا بأن كلام تيوفانا هذا لا يخلو من تهكم المرأة التي يلذ لها عذاب رجل وإبعاده عن حبيبة له في قبضتها غيرة منها.
وفي هذا الحين وصل أرميا إلى باب غرفة أستير عائدا من الإسطبل. فلما سمع كلام تيوفانا عن راحة أستير صلب وقال في نفسه: «كيريالايسون. إن أستير بمجرد دخول إيليا إلى الفندق بدأت تستريح. فكأنها مسحورة منه».
وكاد إيليا يمتثل لأمر تيوفانا وحيلتها فينتظر إلى ما بعد انتباه أستير من رقادها لا سيما وأنه سر بهذا الرقاد؛ لأنه يدل على تحسن صحتها، ولكنه لم يخط خطوة عائدا عن الباب حتى سمع من الغرفة صوتا يصيح بذعر ويأس: إيليا إيليا.
وكانت أستير هي التي صاحت من الغرفة هذا الصياح في الحلم، ولكنها لم تلبث أن انتبهت مرتعدة لصياحها، وأخذت تبكي.
فارتعد إيليا لهذا الصوت، وبقي جامدا في مكانه، ولما سمع بعده بكاءها تقطعت أحشاؤه فدفع باب الغرفة ودخل إليها.
Bilinmeyen sayfa