ترك التعاهد للصّدي ... ق يجرّ أسباب القطيعه
١٢٥ - وقيل: لن يبلغ المرء ما يأمل إلاّ بالصّبر على ما يكره.
١٢٦ - وقال المدائني (١) أخبرني شيخ من أهل البصرة، قال: شهدت امرأة من أهل البادية وبين يديها ابن يجود بنفسه، فلمّا خرجت نفسه، قامت إليه فغمّضت عينيه وعصّبته، وترّحمت عليه، ثمّ تنحّت عنه، وقالت:
يا بني (٢)، ما أحقّ من ألبس النّعمة، وأطيلت له النّظرة ألاّ يعجز عن التوفيق (٣) لنفسه، والاستعداد ليوم ظعنه قبل نزول الموت بعقوته (٤)، وحلوله بساحته وقبل أن يحال بينه وبين نفسه، فيندم حين لا تنفعه النّدامة.
قال: وقال لها رجل من حيّها: إنّا كنّا نسمع أنّ الجزع للنّساء، ورأيتك قد حسن صبرك عن ابنك، وما أشبهت النّساء. فقالت: ما ميّز مميّز بين صبر وجزع إلاّ رأى بينهما منهجين متفاوتين، أمّا الصّبر فحسن العلانية، محمود العاقبة؛ وأمّا الجزع فغير معوض صاحبه عوضا مع الذي يكسبه من المأثم، ولو كانا رجلين في الصّورة لكان الصّبر أولاهما بغلبة في حسن الصّورة وكرم الطّبيعة لما في عاجله من الزّين، وفي آجله من الثّواب.
_________
١٢٦ - كتاب التعازي ٦٥، و٦٦. والخبر بالمطبوع خبران لكل منهما سنده، وهو بنحوه في العقد الفريد ٣/ ٢٤٣، والأمالي ٢/ ٢٧٨.
(١) المدائني علي بن محمد بن عبد الله أبو الحسن، كان عالما بأيام الناس كثير التصانيف صدوقا، صام ثلاثين سنة متتابعة، وهو بصري، انتقل إلى المدائن فنسب إليها، قال ابن تغري بردي: وتاريخه أحسن التواريخ، وعنه أخذ الناس تواريخهم، توفي بمكة سنة (٢٢٤) هـ الأنساب ١١/ ١٩٦. الأعلام.
(٢) في كتاب التعازي: يا أبان. وهو أبان بن تغلب راوي الخبر الذي وقف على المرأة وفي الأمالي: يا ابن أخي.
(٣) في الأمالي: التّوثّق من نفسه.
(٤) عقوته: ما حول داره، ومحلّته. القاموس (عقو).
1 / 54