147

Cümdet Ricaya

عمدة الرعاية بتحشية شرح الوقاية

ورابعا: إن الأمور التاريخية والحكايات المنقولة في الكتب التاريخية لا بد أن توزن بميزان العقول، فما خالف البراهين القطعية العقلية أو النقلية، ترد عند أرباب العقول، يدل على ذلك قول ابن خلدون في مفتح ((تاريخه)): الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور، ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق، وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع؛ لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غث أو سمينا لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة، والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط، سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنة الكذب، ومطية الهذر، ولا بد من عرضها على الأصول، وعرضها على القواعد. انتهى كلامه(1).

إذا عرفت هذا فاعرف أن هذه الكلمة: إن روايات أبي حنيفة بلغت إلى سبعة عشر؛ مخالفة للدلائل القطعية المؤيدة بالأمور النقلية اليقينية، وللمشاهدة البينية؛ وذلك لأن من نظر تصانيف تلامذة الإمام الذين أسندوا الروايات فيها إلى أستاذهم وأسندوها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإسنادهم، ك((موطأ الإمام محمد))، وكتاب ((الحجج)) له، وكتاب ((الآثار)) له، و((السير الكبير)) له، وكتاب ((الخراج)) للإمام أبي يوسف، وغير ذلك، وجد فيها روايات الإمام أزيد من مئة بل مئتين، فما معنى كون رواياته سبعة عشر فقط.

Sayfa 158