أغلق فمه وكتم نفسه.
صاح الصوت الخشن الآمر: العار لا يغسله إلا الدم!
وضغط بإبهامه على الزناد.
سمع دويا لم يسمعه من قبل، ورأى جسدا يسقط على الأرض يجري من تحته سائل أحمر عرفه على الفور؛ إنه دم الشاة؛ فاليوم هو العيد، وهو لا يزال واقفا يحملق في العينين المفتوحتين الساكنتين لا يرمش لهما جفن، ثابتتين بنظرة ميتة، اتسعت وامتلأت بالذعر، وانتقل الذعر إليه فارتجفت ساقاه النحيلتان تحت الجلباب الواسع، وجرى ليدفع رأسه في صدر أمه ويبكي.
ومسح دموعه في صدر أمه ثم رفع عينيه إليها، ورأى عيني أبيه تكسوهما الشعيرات الدموية، والأزرار النحاسية الصفراء فوق الصدر والكتفين كانت لها لمعة خاصة، والصوت الأجش كانت له خشونة آمرة مخيفة: أتبكي كالنسوان؟!
وعاد حميدو إلى مكانه من الصف، وقف منتصبا تحت قرص الشمس، عيناه بلون ضوء الشمس حمراوان، سوادهما هرب تحت في الظل، في المكان الأمين الرطب، الجو في الخارج شديد الحرارة، الأسفلت ملتهب، أذابته السخونة الشديدة فأصبحت كعوب الأحذية تنغرز فيه كما تنغرز في الأرض الطينية.
توقف حميدو لحظة ليشد حذاءه، تخلف خطوة عن الصف، لسعة الكرباج على قفاه، قفز ليلحق بالصف لكنه انكفأ على وجهه وسقط على الأرض.
قبل لحظة السقوط كان حذاؤه قد انخلع، وكان الهواء الساخن قد اندفع في صدره على شكل كلمة منطوقة لها صوت أدرك أنه صوته حين ينطق، وأدرك أن جسده هو الذي سقط على الأرض وليس جسدا آخر، وأن الدقات المنتظمة المسموعة في أذنه تنبعث من صدره، وشعر بزهو لقدرته على تمييز جسده عن جسد الشاة.
ظهر الزهو في عينيه، وكان وجهه لا يزال ناحية الأرض، فطارت البصقة من الفم الغليظ واستقرت فوق مؤخرة رأسه، تبعتها سبة مألوفة للأذن (اسم من أسماء الأعضاء التناسلية المؤنثة)، تبعتها لكمة قوية ببوز حذاء سميك في ظهره فوق الكلية مباشرة.
هذه اللكمة ببوز الحذاء لم تكن تحدث كل مرة بهذه القوة نفسها، وكنت أرى حميدو ينهض بعدها ويجري ويدخل الصف، لكن اليوم كان العيد، وسيده سيحضر الحفل بشخصه لا بمندوب، ومن الطبيعي أن أي خطأ لا يغتفر، وإن كان زلة قدم، لم تكن زلة القدم في ذلك اليوم مجرد زلة قدم، ولكنها تصبح شيئا آخر أشد خطورة؛ لأن الصف يصبح مشوها، وحين يشوه صف تشوه الصفوف الأخرى بطبيعة الحال، وهذه كارثة.
Bilinmeyen sayfa