وزفت مينرفا من السموات العلى إلى إيثاكا.
وفرغ أصحاب أوديسيوس من أكلهم، فأمرهم أن يتحسسوا آثار القوم، فانطلق أحد أبناء دوليوس إلى المدينة، فرأى من استعداد أهلها ما رأى، وجاء إلى مولاه على عجل، فقال له: «مولاي، لقد تسلح الإيثاكيون وهم موشكون أن يقدموا إليك.» فنهض أوديسيوس فادرع، وادرع أبوه وابنه وخادماه وأبناء دوليوس الستة، وادرع دوليوس كذلك، وادرع الفلاحون الآخرون، وحمل كل سلاحه، وبرزوا إلى الطريق وفي مقدمتهم أوديسيوس.
وبدت مينرفا في صورة منطور وفي طيلسانه، فلما رآها أوديسيوس فرح واستبشر، والتفت إلى تليماك فقال: «أي بني، عليك أنت أن تحمينا اليوم؛ فقد عرفت ما خاض أبوك من معامع، وسنرى من يحارب خيرا من صاحبه اليوم.» فقال تليماك يجيبه: «اطمئن يا أبي، فسترى كيف يحمي العسلوج فرعه، وكيف يشب الفرع على أصله. تالله لن أفضحك فيما وكلت إلي، ولن يخيب رأي أهلي في.» وفرح الوالد بمقالة ابنه، وشكر الآلهة وأثنى عليها.
خيول ديوميداس.
واقتربت مينرفا من ليرتيس، وهي لا تزال في صورة منطور، فقالت له: «أوه أيها الجد الوقور! صل لمينرفا وابتهل، وتوسل إلى جوف، أن يمنحاك القوة والجلد، ثم اهجم بحربتك على يوبيتيس فروها من دمه؛ فالسماء كلها معك.» ولمسته بيدها فتدفق شبابه في قلبه، وكان جيش الأعداء قد اقترب منهم، فطار ليرتيس إليهم برمحه، وأقصد يوبيتيس بضربة في صدره، فخرج سنان الرمح يلمع من ظهره، ورأى أوديسيوس ذلك فطار إلى الملأ بسلاحه ورماحه، وانقض تليماك في أثره، وهجم الآخرون في أثر تليماك، ولم يطل القراع؛ فقد فزع الأعداء، واختلط نظامهم، فولوا الأدبار، ولكن هيهات! لا نجاة اليوم؛ فلقد سد عليهم أوديسيوس ورفاقه الطرق، وأخذوا عليهم المسالك، فهم في ضيق، وهم ذاهلون.
وهتفت ابنة جوف العذراء بأوديسيوس ورجاله تقول: «السلام عليكم أيها المحاربون، السلام السلام! قبل أن تجري دماؤكم أنهارا.»
ثم بدت مينرفا في صورتها الإلهية المقدسة، فارتعدت فرائص القوم، وتخاذلوا فيما بينهم حتى أصحاب أوديسيوس! لقد ارتجفت أعصابهم وعصف الذعر بسواعدهم، وكادت سيوفهم ورماحهم تنتثر على الأرض. ولم يعبأ أوديسيوس، بل هجم كالنمر على القوم المنهزمين يود لو يصعقهم، وطفق يبرق ويرعد، ويزأر بصوته المدوي العظيم؛ فغضب سيد الأولمب، وأرسل إحدى صواعقه نذرا من لدنه إلى مينرفا، فعجلت إليه ذات العينين الزبرجديتين، وزجرته عن الناس وهي تقول: «لا يا أوديسيوس، لا يا ابن ليرتيس النبيل، لا يجدر هذا بماضيك، ضع حدا لهذه المجزرة المروعة أو تجلب عليك غضب جوف العلي.»
وخبت أوديسيوس وسرت مينرفا، وعقد منطور الصلح بين الفريقين، ودخل الناس في السلم كافة!
Bilinmeyen sayfa