135

فقال أنتينوس بن يوبايثيس: «قل الحق يا هذا، متى رحل، وأي شبان ذهبوا معه؟ أهم من شباب إيثاكا المختارين، أم مأجورون، أم من عبيده؟ وهل استطاع أن يقوم حتى بهذا؟ وصارحني القول بصدق، كي أعرف كل شيء تماما، هل استطاع أن يأخذ سفينتك بالقوة وعلى غير إرادتك، تلك السفينة السوداء، أم أعطيتها له طائعا مختارا بمحض إرادتك عندما توسل إليك؟»

فأجاب نويمون بن فرونيوس، قائلا: «لقد أعطيتها له، بنفسي، طائعا مختارا، فهل يستطيع أحد أن يفعل غير ما فعلته عندما يرجوه رجل مثله، قد أثقلت الهموم قلبه؟ كان من العسير رفض الهدية. وإن الشبان الذين صحبوه في الرحلة لأنبل من في البلاد بعدنا، وقد لاحظت بينهم واحدا على ظهر السفينة، كقائد لهم، يشبه مينتور، أو كأنه إله يشبه مينتور تمام الشبه. وما أعجب له، هو أنني رأيت مينتور العظيم هنا في فجر أمس الباكر، ولكنه في ذلك الوقت ركب سفينته قاصدا بولوس.»

ما إن أتم حديثه ذاك، حتى انصرف إلى بيت أبيه. أما قلبا هذين الشامخين فقد استشاطا غضبا، وأمرا العشاق المغازلين في الحال، بأن يكفوا عن مبارياتهم ويجلسوا، وقام أنتينوس بن يوبايثيس، مستاء يتحدث وسطهم، وقد تملك الحنق من قلبه الأسود حتى الثمالة، والشرر يتطاير من عينيه، فقال: «ويل له، الحق أن تيليماخوس يزمع القيام بعمل من أعمال الوقاحة، في رحلته تلك، التي ما كنا نحسب أنه سيستطيع إتمامها؛ فرغم كوننا هنا جميعا، رحل ذلك الصبي في هدوء، منزلا السفينة إلى الماء، ومنتقيا خير ما في البلاد من رجال. لقد بدأ شيئا فشيئا، يكون مجلبة للشر، وإنني لأتمنى أن يحطم زوس قوته قبل أن يبلغ مبالغ الرجال. والآن هيا، أعطوني سفينة سريعة وعشرين رجلا، حتى يمكنني أن أكمن له وهو يمر في المضيق الواقع بين إيثاكا وساموس الوعرة، وبهذا تنتهي الرحلة التي قام بها بحثا عن أبيه شر نهاية.»

هكذا تكلم، فنالت كلماته تقريظ الجميع، الذين طلبوا منه أن ينجز فورا ما انتواه. وفي الحال نهضوا جميعا وذهبوا إلى منزل أوديسيوس.

بينيلوبي تعلم بخطة العشاق ضد ابنها

لم تمض مدة طويلة حتى علمت بينيلوبي بالخطط التي كان يحكيها العشاق في قرارة قلوبهم؛ فإن الرسول ميدون

Medon ، الذي كان يسمع مؤامراتهم وهو يقف خارج الساحة، وهم في داخلها يدبرون خطتهم، كان يسر إليها بكل شيء؛ ومن ثم ولج الساحة كي يحمل الأنباء إلى بينيلوبي، فما إن خطا عتبة الباب، حتى تحدثت إليه بقولها: «أيها الرسول، لم بعث بك المغازلون الأمجاد؟ هل لتأمر خادمات أوديسيوس الجليل بالكف عن أشغالهن، ويبدأن لهؤلاء بإعداد وليمة؟ لا مغازلة بعد ذلك، ولا أي زواج في مكان آخر، فهل لهم الآن أن يأدبوا هنا مأدبتهم الأخيرة، وحتى أنتم يا من تحتشدون هنا وتبددون أموالا طائلة، من ثروة تيليماخوس العاقل. لا شك أنكم لم تسمعوا أبدا، في سالف الأزمان، عندما كنتم أطفالا، وعندما كان يحكي آباؤكم أي لون من الرجال كان أوديسيوس بين أولئك الذين أنجبوكم، وأنه لم يقترف إثما أو خطأ قط في حق أي فرد من مواطني البلاد، سواء بالقول أو بالفعل، كما كانت عادة الملوك الأجلاء، يكرهون رجلا، ويحبون آخر، ولكنه لم يظلم أي رجل على الإطلاق، وإنما عقولكم وأفعالكم غير المشروعة، هي الواضحة كل الوضوح للعيان، ولن يقدم أي فرد ثناء على أية أعمال حسنة لكم.»

هدف الخطة قتل تيليماخوس

فأجابها ميدون، ذو القلب الحكيم، بقوله: «أرجو، أيتها الملكة، أن يكون هذا هو أقصى ما ابتليت به من شر؛ لأن هناك أمورا أخرى أمر وأدهى وأكثر إيلاما من هذه، يحيكها العشاق المغازلون، أمورا أتمنى ألا يكللها ابن كرونوس بالنجاح. لقد بيتوا النية على قتل تيليماخوس بحد السيف البتار وهو في طريق عودته إلى الوطن؛ لأنه ذهب يستقي الأخبار عن أبيه، إلى بولوس المقدسة، وإلى لاكيدايمون العظيمة.»

ما إن قال هذا، حتى وهنت ركبتاها وهي جالسة، وغاص قلبها، وصمتت مدة طويلة، وترقرقت الدموع في مقلتيها واحتبس صوتها، ثم تكلمت أخيرا قائلة: «أيها الرسول، لم ذهب ابني؟ لم تكن به حاجة للسفر فوق ظهور السفن العريضة السريعة، التي يستخدمها البشر مطية البحر، وتعبر اليم المترامي الأطراف. ألم يكن لاسمه أن يظل باقيا وسط الرجال؟»

Bilinmeyen sayfa