Miras ve Yenileme: Eski Mirasımıza Bakışımız
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Türler
الاتجاه الإنساني؛ نظرا لأن اللغة الجديدة تتميز بأنها عامة ومفتوحة وإنسانية فإن هذه الخصائص تتأكد أيضا في المعاني الكامنة في اللغة التقليدية وفي المواضع التي تشير إليها والتي يتم التعبير عنها باللغة الجديدة، فيظهر الجانب الإنساني العام الذي هو صفة الوحي، ومحل قصده، إن اللغة التقليدية لن تكون قادرة على التعبير عن روح العصر العامة التي تتجاوز فيها الأفكار والأبنية الاجتماعية حدود الحضارات والأوطان، وأقصى ما تستطيعه اللغة الخاصة هو استعمالها داخل الحضارة ولكن ليس خارجها، اللغة الجديدة هي الوحيدة القادرة على إيصال معاني الحضارة وأبنيتها إلى خارجها، فهي الوسيلة لتجاوز حدود الذات، وبالتالي نستطيع الكشف عما نصبو إليه من الكشف عن الإنسان في تراثنا القديم، وتحقيق مطلبنا المعاصر من الدفاع عن الإنسان والحرص على حياته وكرامته. (3)
الانتقال إلى طور جديد من أطوار الحضارة؛ وذلك لأن هدف ومنطق التجديد اللغوي هو نقل الحضارة كلها من طور إلى طور ، وذلك بالعثور على المعاني الكامنة في اللغة التقليدية والأبنية المثالية المشار إليها، والتعبير عنها بلغة العصر التي تقدمها البيئة الثقافية الحالية، وبذلك تأخذ الحضارة طورا جديدا، ونسير على سنتها منذ نشأتها، وقد تطورت الحضارات الإنسانية، وانتقلت من طور إلى آخر بفعل منطق التجديد اللغوي، فإذا كان اكتشاف العلم وحده مرهونا بنشأة اللغة فإن تاريخ الإنسانية كله مرهون بتجديد اللغة، وبالتالي نكون قد حققنا مسئوليتنا القومية تجاه الحضارة التي تشمل القديم والجديد معا ويكون المحدثون بذلك ليسوا بأقل إثباتا لمسئولياتهم القومية من القدماء. (2) اكتشاف مستويات حديثة للتحليل (الشعور)
ويمكن تجديد الموروث القديم عن طريق كشف مستويات حديثة للتحليل ما زالت مطوية فيه. هناك مستويات عامة مشتركة بين العلوم الموروثة يمكن الكشف عنها وهي في نفس الوقت إحدى مقتضيات العصر، فإذا كان منطق التجديد اللغوي قد أعطى لنا قدرة هائلة على التعبير عن المعاني والأبنية المثالية الموروثة المغلفة باللغة التقليدية فإن المستويات الحديثة للتحليل تعطينا ميدانا خصبا تظهر فيه خصوبة التراث، وأعني بمستوى التحليل المنظور الذي ينظر منه إلى التراث، وهذا لا يتم إلا برؤيا معاصرة له؛ فالتراث يمكن قراءته بمنظورات عدة كلها ممكنة، والتجديد هو إعادة قراءة التراث بمنظور العصر. ليس معنى ذلك أن القراءات القديمة له خاطئة أو أن القراءات المستقبلة له غير واردة، بل كلها صحيحة، ولكن الخطأ هو قراءة التراث من المعاصرين بمنظور غير عصري، هنا يكمن الخطأ، خطأ عدم المعاصرة.
وأهم هذه المستويات هو الشعور، والشعور مستوى أخص من الإنسان، وأهم من العقل، وأدق من القلب، وأكثر حيادا من الوعي، يكشف عن مستوى حديث للتحليل موجود ضمنا داخل العلوم التقليدية نفسها، ولكن نظرا لظروف نشأتها لم يوضع في مكان الصدارة، ولم يعط له الأولوية الواجبة، ولكن يفهم ضمنا، ويقرأ فيما بين السطور. صحيح أن تراثنا القديم يغفل البعد الإنساني لأن الإنسان كان موجودا بالفعل، وهو حامل الوحي، وصانع الحضارة، وفاتح البلاد، ولكن التنزيه هو الذي كان موضع الخطر من الداخل واتجاهات التأليه والتجسيم والتشبيه أو من الخارج من الوثنية والشرك وتعدد الآلهة. يظهر الموضوع في الحضارة عندما يغيب في الواقع. ويغيب في الحضارة عندما يوجد في الواقع، لم يظهر الإنسان واضحا في الحضارة كبعد مستقل كالإلهيات أو الطبيعيات لأن الإنسان كان موجودا بالفعل، ومع ذلك فنجد أن الإنسان وبوجه أخص الشعور موجود ولكنه متخف وراء الإلهيات وداخل العلوم التقليدية.
يظهر الشعور في البناء الثلاثي لعلم أصول الفقه في الأخبار، والمبادئ اللغوية، والأحكام؛ فتحليل الأخبار هو أساسا تحليل لشعور الراوي، وكيفية قيامه بمهمة النقل التاريخي للمأثورات الشفاهية. بل إن مناهج النقل التاريخي، التواتر والآحاد، الخاصة بالسند قائمة أساسا على مبدأ وجود الراوي، ومدى صلته بالرواة الآخرين، وما يعيب المتن من زيادة أو نقصان خاضع لذاكرة الراوي، وصحة الرواية مرهونة بتطابق السمع والحفظ والأداء. ومن مظاهر الشعور الحسية وصلته بالعالم الخارجي، وصحة النقل كلها مرهونة بشعور الراوي وموضوعيته، وحياده والتي يحددها العقل والبلوغ والعدالة والضبط والاعتقاد، وهي كلها أحوال لشعور الراوي. أما المبادئ اللغوي فهي تقوم أيضا على تحليل شعور المجتهد باعتباره شعورا لغويا منطقيا؛ فالحقيقة والمجاز يشيران إلى بعد الصورة الذهنية وهو بعد شعوري، والظاهر والمؤول يشيران إلى بعد شعوري وهي مستويات العمق في التحليل. وتحليلات العلة وأقسامها المختلفة، إن هي إلا تحليلات للعمليات المنطقية التي تدور داخل شعور المجتهد. وأخيرا تكشف الأحكام أيضا عن شعور المكلف الذي يوجه الفعل كسلوك وقصد ونية، كما يبدو الوحي كله وكأنه تحليل لشعور الشارع وأنه قائم على مقاصد الحياة الكلية، وكأن الشارع هو شعور عام يخاطب شعورا فرديا هو شعور المكلف، فالشعور إذن مستوى خصب لتحليل المادة الأصولية، ولو أنه متخف وراء المادة التقليدية. بل إن مادة الأصول وهي الأمثلة الفقهية لا تتعدى كونها مواقف إنسانية خالصة تظهر في مشكلات الفرد والجماعة؛ فهي ليست فروضا نظرية مجردة ولو أن البعض منها كذلك، كما أنها ليست أشياء طبيعية مصمتة، بل هي مواقف حية تحدث في الحياة اليومية، والإشكال الفقهي في النهاية هو أزمة شعورية تحدث للفرد أو للجماعة، والحل الفقهي إن هو إلا حل لهذه الأزمة وعلاقة المفتي بالمستفتي هي أيضا في نهاية الأمر علاقة شعور بشعور آخر.
14
ويظهر الشعور في علم أصول الدين؛ إذ يكفي تحليل الأصول الخمسة لدى المعتزلة، والتي تحدد معظم مسائل العلم لرؤية الشعور في كل أصل؛ فالتوحيد عندما يتحدد بعلاقة الذات بالصفات والأفعال هو في الحقيقة وصف للإنسان الكامل أو الإنسان كما ينبغي أن يكون، ولن نفهم حقيقة القسمة إلى ذات وصفات وأفعال إلا بالرجوع إلى الذات الإنساني وصفاته وأفعاله. وفي العدل يظهر شعور الإنسان على أنه شعور حر في أفعاله الداخلية، أفعال الإيمان والعلم، أو أفعاله الخارجية، أفعال الجوارح. وفي الحسن والقبح يظهر الشعور العاقل وقدرة الإنسان على التمييز بين الخطأ والصواب في الأفعال. وفي المنزلة بين المنزلتين يظهر الشعور على أنه أساس للفعل، ويظهر في جانبيه النظر والعمل أو النية والفعل. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يظهر الشعور على أنه الحارس المتيقظ لسلوك الآخرين وللبناء المثالي للواقع، بل إن المشاكل الطبيعية ذاتها لا يمكن فهمها إلا برفعها إلى مستوى الشعور حيث إنها عدة إسقاطات من الشعور على الطبيعة. ومسائل المعاد كلها وصورها الذهنية ترجعنا إلى الشعور من حيث هو تصوير لنهاية العالم من أجل التأثير فيه. والنبوة تفترض أساسا وجود الشعور، الشعور العام المعطى للوحي، والشعور الخاص المستقبل الذي يأخذ الوحي ثم يسلمه بدوره إلى شعور آخر. ومسائل الإمامة هي أيضا في نهاية الأمر وصف لشعور الحاكم وشعور المحكومين والعلاقة بينها، وتاريخ الفرق كله والحكم عليها بالإيمان أو الكفر هو وصف للشعور المثالي المتزن ثم ميوله واتجاهاته عندما يرتكز الشعور على جانب دون آخر؛ فمادة أصول الدين لن تحيا وتجد دلاتها إلا إذا تحولت إلى مادة شعورية وإلا إذا رجعت إلى أصلها في الشعور.
15
ويظهر الشعور في الفلسفة في نشأتها منذ عصر الترجمة، حيث يقوم المترجم بفهم العبارة الأجنبية ويحاول أن يجد لها مقابلا في لغته الخاصة، ثم عند الشارع الذي يقوم باحتواء الفكرة الدخيلة ووضعها داخل قوالب حضارته الخاصة، ثم عند الفيلسوف ذاته الذي يقوم بعملية الاحتواء الحضاري كلها، ويستعير لغة الحضارة المعروفة حديثا للتعبير بها عن معانيها الأولية التي على قوامها نشأت حضارته. هذه العمليات كلها تحدث في الشعور، في شعور المترجم أو في شعور الشارح، ومع أن قسمة الفلسفة إلى منطق وطبيعيات وإلهيات قسمة لا يظهر فيها الإنسان، أو بعد الشعور، ظهورا واضحا، إلا أن المنطق ذاته أحد جوانب الشعور ولو أنه منطق صوري معياري يضع قواعد للذهن تعصمه من الخطأ. أما الطبيعيات فإنها تشخيص للطبيعة يمكن رؤية الشعور المسقط عليها بسهولة في ترتيب عناصر الطبيعة ترتيبا تصاعديا أو تنازليا حسب مراتب الشرف والكمال. والإلهيات ذاتها تعبير عن إحساس الإنسان بالكمال وتشخيصه، هذا الكمال في الموجود الأول وصفاته المطلقة، ولكن إخوان الصفا زادوا قسم النفسيات لتعلن صراحة عن عالم النفس، وهو عالم الشعور باللغة القديمة، والنص الديني نفسه أصبح عند الفلاسفة بعدا للشعور بتأويله كصورة فنية مهمتها الإيحاء والتأثير في النفوس.
وقد ظهر الشعور بصورة واضحة للعيان في التصوف، بل إن التصوف إن شئنا هو علم الشعور كما يبدو من علوم الأخلاق والنفس والفلسفة التي تتخلل مراحل الطريق الصوفي؛ فتصفية النفس، والتشبه بصفات الكمال، والتوبة، والخوف، والحزن، والبكاء، كلها أفعال للشعور. وأحوال النفس وما يعتري النفس من قبض وبسط، خوف ورجاء، صحو وسكر، غيبة وحضور، وجد وفقد، قرب وبعد، بقاء وفناء، كلها أحوال شعورية خالصة، حتى يصل الصوفي في النهاية إلى وحدة الذات أو وحدة الشهود أو وحدة الوجود، وهي أيضا حالات شعورية ناتجة عن اتحاد صاحب الدعوة برسالته واتحاده بالحقيقة، كما أن علاقة الشيخ بالمريد علاقة شعور بشعور وتراسل بين الذوات، ومعرفة الصوفية معرفة شعور من شعور، وسعادته اتحاد شعور بشعور.
Bilinmeyen sayfa