Miras ve Yenileme: Eski Mirasımıza Bakışımız
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
Türler
فمثلا يقال عن الإسلام إنه «المحمدية» أو «الإسلامية» في حين أن «الإسلام» اسم لا يحتاج إلى وصف آخر، وقد سماه المستشرق المحمدية كما تنسب المسيحية إلى المسيح، والبوذية إلى بوذا، والكونفوشيوسية إلى كونفوشيوس، والتاوية إلى تاو، وكما يسمى مذهب هيجل الهيجلية، ومذهب ماركس الماركسية، كما ركز المستشرقون كثيرا على حياة محمد، وحاولوا كتابة عدة تواريخ لحياته كما حدث في العصر الحديث بالنسبة لحياة المسيح يميزون فيها بين الواقع والأسطورة، بين محمد التاريخي ومحمد الإيماني، وكثيرا ما تحدث المستشرقون عن الكنيسة الإسلامية أو السلطة الدينية وعلاقاتها بالدولة وعن أن سبب تأخر العالم الإسلامي اليوم هو عدم الفصل بين الدين والدولة مع أن هذا إسقاط من ذهن المستشرق المسيحي من تاريخ الغرب المسيحي ومكاسبه التي نالها من الفصل بين الكنيسة والدولة وتحرر الجماعات من سلطة الكنيسة، وأخذ النمط الغربي على أنه هو النمط العام الذي على أساسه يعاد بناء كل الأنظمة الأخرى، أو اتهام التوحيد الإسلامي بأنه تجريدي خالص لا يمكن فهمه ولا يقاد إليه الذهن ابتداء من رموز حسية وهي الأيقونات، وهذا إسقاط من ذهن المستشرق المسيحي، والحكم على التنويه بالتجريد إسقاطا من التجسيم والتشبيه الذي تعود عليه؛ ولذلك عندما يؤيد التصور الشيعي القائم على التجسيم والتأليه على التصور السني القائم على التنزيه الخالص فإنه إنما يسقط من نفسه مقياس الاختيار، وهو المقياس المسيحي العقائدي، وعندما يقال إن الإسلام دين قوة أو دين مذكر أو دين رجولة أو دين حرب فإن المستشرق إنما يسقط من نفسه تصوره للمسيحية على الأقل نظرا على أنها دين تسامح وحب، ودين سلام وإيمان، فكل حكم نفي يقوم به المستشرق يوم على نفي لما لا يوجد في ذهنه، وكل حكم إيجاب يقوم على إثبات لما يقوم ذهنه، وإذا ما ظهرت حركات تجديد تدعو إلى تغيير الواقع أو إلى إعادة فهم التراث فهما عقلانيا قيل علمانية وإلحادا، وقد نشأ المستشرق في بيئة كهنوتية وينتسب إلى دين كهنوتي فكل ثورة ضد الكهنوت الدخيل على عقليتنا المعاصرة يكون علمانية، كما تعود على تصور أن الله متجسد فكل رفض لهذا التصور لله يعتبره إلحادا! وإذا ما نشأت حركات أخرى تدعو إلى البدء بالواقع وإلى فهم حياة الناس قيل مادية وماركسية؛ وذلك لأن الباحث الغربي تعود على أن الروح شيء وأن المادة شيء آخر، وعلى أن كل من يبدأ من العالم يكون ماديا وكل من يبدأ بحياة الناس وصراعهم يكون ماركسيا، في حين أن تراثنا القديم قد قدم لنا هذا النمط الفكري عند أصحاب الطبائع من علماء الكلام وعند ابن رشد من الفلاسفة، كما أن عديدا من الثورات في تاريخنا القديم مثل ثورة الزنج وثورة القرامطة قد نشأت بدءا بالواقع من أجل تغييره تغييرا جذريا، ولا يحدث هذا الإسقاط من الباحث الأوروبي فحسب، بل قد يحدث أيضا من باحث ينتسب إلى الحضارة الإسلامية ولكنه مثقف ثقافة غربية، ويتبع منطق الغرب في تفكيره، ولم يحاول التنصل منها أو وعي ذاته ومنطق حضارته، فيصير الإسلام في ذهنهم دينا مثل غيره من الأديان، ويقاس على المسيحية، وتنقل دعوات الإصلاح على النمط المسيحي الغربي.
17
وينشأ المنهج الإسقاطي من خضوع الباحث لهواه وعدم استطاعته التخلص من الانطباعات التي تركتها لديه بيئته الثقافية المعينة مع أن التحرر من الأحكام المسبقة العقلية والانفعالية معا هو الشرط الأول للبحث العلمي، وذلك ناشئ عن إيمان المستشرق بثقافته وأنها هي النموذج الوحيد لكل الثقافات وأنه ينتسب إلى حضارة هي مركز العالم، ومحور التاريخ ومصدر الحقائق ومنبع المناهج، ومهد العلوم، قد يرجع ذلك إلى تضخم في الذات الحضارية لدى المستشرق، ونعرة غربية تجعله ينظر إلى الظواهر المدروسة من عل ولا يضعها على نفس المستوى مما يسهل الإسقاط، فالإسقاط في نهاية الأمر هو وضع الآخر في قالب الذات، والحكم بالسواد على ما ليس بأبيض، وكأن العقلية الغربية بإسقاطها في جوهرها عقلية عنصرية هي الأساس للثقافة والدين والفن والعلم والحضارة.
ليس معنى ذلك أن الإسقاط في ذاته لا يؤسس منهجا ولا يعطي رؤية، بل الإسقاط من حيث هو إسقاط لهوى أو مصلحة أو صورة ذهنية بيئية هي الذاتية عندما تتوقف عن أداء دورها في كشف الموضوع، ولكن الذاتية يمكنها أن تتجه نحو الموضوع وتنيره، وتحيله إلى معنى، وفي هذه الحالة تكون الذاتية مصدرا لحدس وأساسا لرؤية وتكون هي الذاتية الخالصة المتجردة عن أي هوى أو مصلحة أو صور ذهنية بيئية، وتراثنا القديم قد مارس هذا التوجه من الذات نحو الموضوع كما هو واضح في علوم التصوف واعتمادها على الرؤية والحدس والإدراك المباشر، وكما هو واضح أيضا في علم أصول الفقه عندما يقوم النص الذي يحتوي على الأصل بتوجيه الشعور نحو العلة المشتركة مع الفرع من أجل تعدية حكم الأصل إلى الفرع، ومناهج الأصوليين في تحقيق المناط وتنقيح المناط وتخريج المناط كلها قائمة على البداية بالذاتية النصية، والقياس الشرعي أيضا يبدأ بتوجيه النص نحو الواقع من أجل رؤيته، والضامن لموضوعية الذاتية هو أنها تعتمد على الوحي باعتباره حقيقة موضوعية مستقلة غير موضوعة من الأفراد الذين قد تغلب عليهم وجهات النظر والمصالح والأهواء والنظريات الأحادية الطرف، كما أن براءة الشعور الأصلية قادرة على توجيه الذات نحو الموضوع دون قضاء عليه أو تزييف له، وهي البراءة التي تعبر عن النية الخالصة من حيث وظيفتها المعرفية. (1-4) منهج الأثر والتأثر
بعد أن يقوم المنهج التاريخي بمهمة الفصم بين مصدر الظاهرة الفكرية، وهو النص الديني، وبين هذه الظاهرة نفسها مرجعا إياها إلى مصدر تاريخي محض، وبعد أن يقوم المنهج التحليلي بمهمة تفتيت الظاهرة الفكرية إلى عناصر وعوامل تاريخية تكون موضوعا اصطناعيا يعادل الظاهرة الفكرية مدعيا تمثيلا لها أو بديلا عنها، وبعد أن يقوم المنهج الإسقاطي بمهمة تفسير الظاهرة الفكرية ابتداء من الصور الذهنية المماثلة أو المخالفة والتي ليس لها إلا وجود ذهني خالص في نفس المستشرق، يقوم منهج الأثر والتأثر بالمهمة الباقية وهي القضاء التام على ما تبقى من الظاهرة مفرغا إياها في مضمونها، ومرجعا إياها إلى مصادر خارجية في بيئات ثقافية أخرى دون وضع أي منطق سابق لمفهوم الأثر والتأثر، بل بإصدار هذا الحكم دائما بمجرد وجود اتصال بين بيئتين ثقافيتين وظهور تشابه بينهما مع أن هذا التشابه قد يكون كاذبا وقد يكون حقيقيا، وقد يكون لفظيا، وقد يكون معنويا، والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد قيل عن الفلسفة الإسلامية بوجه خاص أنها فلسفة يونانية مقنعة وأنها ترديد لما قاله اليونان من قبل، بل ترديد خاطئ يسوده عدم الفهم والخلط التاريخي، وهذا غير صحيح على الإطلاق، بل ويدل على عدم علم بطبيعة العمليات الحضارية التي تحدث كلما تلتقي حضارتان، فالفلسفة الإسلامية لم تأخذ من الحضارة اليونانية إلا اللغة ولكن المعاني المعبر عنها ظلت هي المعاني الإسلامية، فالكندي يرفض قدم العالم ويقول بالخلق، ويرفض استراحة الإله ويقول بالعناية الإلهية، ويرفض الواحد الرياضي ويقول بالتوحيد، ويرفض فناء النفس ويقول بخلودها، وإذا كان الفارابي وابن سينا قد قالا بالفيض فإنهما لم يفعلا ذلك ابتاعا لأفلوطين، بل لاتجاههما الصوفي ونظريتهما الإشراقية التي تؤثر فيها الوحدة على الكثرة والتي يسود فيها القلب على العقل والتي يكون الأولوية فيها للروح على البدن، وابن رشد في قوله بقدم العالم في شروحه على أرسطو يقول بالخلق في التوحيد، ولا يقول بقدم العالم إلا دفاعا عن حرية الفكر واستقلاله ضد إشراقيات الفيض، ويقول بخلود النفس الكلية لا تبعية لأرسطو وخلود العقل الفعال، بل رفضا للتصور الفردي للخلود، وإيثارا للروح الجماعية، وإذا كان الفلاسفة والأخلاقيون قد انتهوا في تعريفهم للفضيلة بأنها وسط بين طرفين أو في تعريفهم للحياة الخلقية بأنها حياة التوازن بين قوى النفس، وهذه هي العدالة، فإنهم لم يفعلوا ذلك اتباعا لأرسطو أو لأفلاطون بل فهما لجوهر الوحي ووضع الفضيلة وتصور الحياة الخلقية فيه، وما دامت الظواهر تفسر من داخلها فلماذا اللجوء إلى الخارج؟ وما دام يفسر وجودها بالعلل القريبة فلماذا اللجوء إلى العلل البعيدة؟
وقد قيل عن التصوف أيضا إنه ناشئ من مصدر خارجي، فهو إيراني نظرا لوجود التشابه بين عناصر التصوف الإسلامي وعناصر أخرى في التصوف الإيراني مثل صور النار، والصراع بين النور والظلمة والمعرفة الإشراقية، وهو هندي أيضا لوجود تشابه بين عناصر التصوف الهندي والإسلامي، مثل الفقر والزهد والورع أو تناسخ الأرواح أو الفناء الكلي، وهو يوناني لوجود تشابه بين بعض الاتجاهات الصوفية في الحضارة اليونانية وعناصر مشابهة في التصوف الإسلامي، مثل النحلة الأورفية والتطهير الفيثاغورسي، وإشراقيات أفلاطون وتأملات طاليس، وشيطان سقراط، وهو أخيرا نصراني؛ لوجود عناصر مشابهة بين التصوف الإسلامي والأخلاق واللاهوت المسيحي مثل الطهارة والتقوى والمحبة والإحسان والدعوة إلى الزهد والتقشف والرهبنة واحتقار الدنيا أو بالقول بالحلول والتجسد، في حين أن التصوف وكل التصوف إن هو إلا رد فعل اجتماعي على مظاهر البذخ والترف في المجتمع، ومقاومة سلبية لحب الدنيا وسيادة الطمع والرغبة في الاستحواذ على كل شيء، وكأن وجود مجرد صلات تاريخية بين الحضارة الإسلامية، وكل هذه الحضارات المجاورة يؤكد هذا الأثر والتأثر، وقد قيل عن أصول الفقه إنه أيضا أثر من آثار المنطق اليوناني، وإن الشافعي، واضع علم الأصول، تعلم اليونانية لهذا الغرض في حين أنه شتان ما بين المنطق اليوناني والمنطق الأصولي، فالمنطق الأصولي يشمل أولا مناهج للنقد التاريخي،
18
ومناهج اللغة في الأصول مرتبطة أشد الارتباط باللغة ولا شأن لها بأبحاث المقولات أو العبارة في المنطق اليوناني، ومباحث القياس الفقهي لا صلة لها بالقياس أو البرهان الأرسطي، فالقياس الفقهي منتج خاص يقوم على التجربة وقياس العلة، في حين أن القياس الأرسطي غير منتج صوري عام، أما منطق الأحكام فليس له ما يرادفه على الإطلاق في المنطق اليوناني الذي هو منطق صوري خالص لا شأن له بالفعل الإنساني، ولكن المستشرق لمجرد أنه رأى منطقا وهو يعلم أن اليونان هم أصحاب المنطق، فإنه يتسرع في حكمه أو يلحق الظاهرة التي يدرسها بالمنبع الذي خرجت منه الثقافات الأوروبية والتي هو جزء منها.
19
وفي علم أصول الدين قيل إنه خضع للأثر والتأثر مع أنه أبعد العلوم عن ذلك؛ لأنه أولها في النشأة قبل عصر الترجمة، وهو أول محاولة للتعبير عن النصوص وفهمها فهما عقليا خالصا، وتحويلها إلى معاني، قيل مثلا إن الأحوال الثلاث، العلم والقدرة والحياة، عند أبي هاشم لا تبتعد كثيرا عن الأقانيم الثلاثة في النصرانية، كما قيل إن الطبع والطباع والطبائع عند الجاحظ والنظام وثمامة وجعفر من آثار الدهرية الفرس، مع أن علم الكلام يفرد أبوابا خاصة للفرق غير الإسلامية ويرد عليها، فأحوال أبي هاشم صفات مطلقة منزهة غير مجسمة أو مشخصة، والطبع عند القائلين به أكبر رد فعلي على تشخيص الطبيعة عند الأشاعرة.
Bilinmeyen sayfa